عام 2000 ميلادي كنت كأي فتاة عربية غبية أحلم بالحب بالورد وبالغد. اليوم صرت كأي عجوز عربية مخرفة مهملة أتوق إلى الأمس، إلى البارحة، وأعتبر مثلاً عام 2000 ماضياً تليداً مجيداً، فما أحلى البارحة عن اليوم، وما أجمل أن أغمِض عيوني لأرى كل شيء، لأنني حينما أفتحهما لا أرى أي شيء. أين البارحة عن اليوم؟ كنت أشكو من الطائفية وصرت أحذر من المذهبية. كنت أتمنى ألا أُطرد من الوظيفة وأصبحت أحلم بوظيفة. كنت أشكو من نقص في المورد وبت أعاني شح الموارد. كنت أتكلم عن الصرف الصحي ومن دون مقدمات صرت أبحث عن علاج للأوبئة. كنت كأي إنسانة حضارية أحذر من ثقب في الأوزون فأمسيت أخاف من رصاصة طائشة تنطلق من غزة أو الأوزاعي أو الرمادي فتثقب أوزونهم وآذانهم. كانت سخونة الأرض تعنيني وصرت الآن أترجى الأرض ألا تسخن لئلا أكون أنا العربية السبب والمتسببة في سخونة كرتهم وكأنني خارج هذه الكرة الأرضية. نعم، الشرق الأوسط صار خارج اللعبة أو عفوكم صار الكرة التي يلعبون بها. و كنت أبحث كل يوم في خيالي عن حلم أحلم لتحقيقه وفوجئت بأن أحلامي صارت أحلام اليقظة تهرب مني. امرأة بلا أحلام، وحتى الأوهام رضيت بها ولم ترض بي، فأين البارحة عن اليوم؟ كنت أنتقد عمرو دياب كظاهرة شبابية وصحوت لأجدهم يعالجون مغنّي فجأة وقع في حب الحمارة ومشى الشعب كله وراءه يؤيد حبه للحمارة، فما أحلى من أحب عمرو موسى وكره إسرائيل أمام من أحب الحمارة وكره العمارة. فنّ العمارة التي كنت أتغزل بها لأجد نفسي أقرأ في كل صحيفة عن أضرارها الصحية والبيئية والاجتماعية، فأين البارحة عن اليوم؟ كنا نسير بالسيارة ننظر إلى فيلا فنعجب، إلى قصر فنندهش، وصرنا نزور الأكواخ ونعالج مشكلات المهجرين والمشردين والمتسولين والمنكوبين ومن يرضى أن يُقتل ليتقاضى أجر قوت يومه. حالٌ مخيفة وصورٌ قاتمة وإن كنت على خطأ فأرجوكم عاتبوا في ذلك كاميرات المصورين ومراسلي المحطات ومحللي الأخبار والدم الملوّث وبالونات الأطفال التي نُفخت بالغازات السامّة مثلها مثل أشكال بنات الملاهي المنفوخة، وأعني باحترام شديد مؤديات الفضائيات، فما أحلى البارحة عن اليوم. كنت أفرح عندما أرى الآلات تمد الأسفلت في الشوارع وتمهد الطرقات، وإن قرأت يافطة نعتذر منكم ونعمل لأجلكم. كنت أدعو له فصرت أدعو عليه كلما سقطنا في حفرة أو تعطلت عجلات السيارة من كثرة الحفر المطرزة على الطرقات، فأين مقاول البارحة من اليوم؟ كانت تغطيني سهرات العيد وليالي الشتاء الجميلة بالكعك والجمر والزيارات العائلية وصرنا نغطي السهرة في العيد وبلا عيد نتابع نوال الزغبي من حفلة في دبي أو سهرة لراغب علامة من عمان أو عمرو دياب أو عمرو موسى أو أي عمرو يثرثر الليل بطوله من القاهرة. كنت أحلم ببناء مدرسة، واليوم أتدخل في المدرسة والمعلمة والمنهج ووزير التربية ووزير التعليم لأتفنن في بث فكري وفوضاي وعتبي على النظام المدرسي والجامعي والكوني. كنت أشتكي إذا نشز أحدهم في الميجانا والعتابا وأبو الزلف صار النشاز سيد الموقف. كنت أشغل نفسي دوماً بعمل شيء ما من فطيرة إلى تطريز صرت عامدة متعمدة أنشغل عن العمل بسوزكو أو حل كلمات متقاطعة أو لعبة الكومبيوتر بزعمي أنني دخلت الألفية الثالثة متسلحة بالتكنولوجيا. كان ذلك عام ألفين، حينما كنت صبية مرحة غارقة في الأحلام فصار عليها أن تتابع الأحداث والمجريات والحروب والجراحات والعمليات الإرهابية والتجميلية. شاخت أوطاني سريعاً وتكلست شرايين أنهارها وتصحّر فكرها وتجمدت أطرافها وعلي ضغطها. أوطاني تعاني من الخرف والزهايمر والسعال الشديد في رئتيها وقد غطى الشيب جبالها، والمشكلة أنّ أنبوب الصبغة مستورد وعقاقير المنشطات مستوردة والدواء مستورد، فمن يعيدني إلى أيام ابن سينا علني أجد عنده إكسير شباب الأمة؟ وما زلت أقول عام جديد. حلم جديد. المضحك أنني أعني اليوم من عام 2010، فهل تصدقني؟ خلف الزاوية تغير فينا الزمان المكان تبدّل حتى عبير الخزام ملابسنا صوتنا إذ تغنى دروب الرحيل ولون الظلام ونظرتنا بين جد وهزل مضينا للحرب أم السلام غير أنّ الغرام يظل غراماً كما كان في الأرض من ألف عام [email protected]