فيما شدّد المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على تمسك إدارة الرئيس أوباما بحل الدولتين، أي إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل، أكد بالمقابل نتانياهو لميتشيل «أن إسرائيل غير معنية بالسيطرة على الفلسطينيين، لكنها ملزمة بالحرص على أن لا تخلق العملية السياسية حماستان ثانية في إسرائيل تهدد القدس والسهل الساحلي. وإسرائيل تنتظر من الفلسطينيين أن يعترفوا بها كدولة يهودية قبل أن يطالبوا بدولة فلسطينية لأنفسهم». ويجمع المحللون المتابعون للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، على أن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بوصفها تحالفا من عتاة اليمين المتطرف ومن رجال الدين الذين يتنفسون حقداً على الفلسطينيين، و أداءها القسم يوم 31 آذار (مارس) الماضي، و تبوؤ الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان منصب وزير الخارجية في إسرائيل...، هذه الحكومة الجديدة تعكس الوجه الحقيقي ليس لإسرائيل الرسمية فحسب، و إنما أيضا، وهذا هو المهم، لطبيعة المجتمع الإسرائيلي الذي يزداد غلواً وتطرفاً في رفض فكرة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس. وكان الرئيس السابق بوش طرح رؤيته حول الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، تعيشان جنبا إلى جنب، في ذروة تحالفه المطلق مع رئيس الوزراء الصهيوني السابق آرييل شارون، الذي كان يخوض حرب إبادة حقيقية ضد الشعب الفلسطيني. وفي وقت كان في أمَسِ الحاجة لدغدغة المشاعر العربية حول دولة فلسطينية مؤقتة، بهدف إغواء العالم العربي، وهو يستعد لغزو العراق في بداية سنة 2003، بوصف غزو العراق هذا، والقضاء عليه كقوة عربية رئيسية على الأقل محسوبة على مجمل القوة العربية، يمثل أكبر نصر استراتيجي للهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. وسبق أن تعهد الرئيس بوش بأن يتم الإعلان عن الدولة الفلسطينية في بداية عام 2005، أي في نهاية ولايته الأولى، غير أنه لم يلتزم بتنفيذ تعهده. وفاجأ الجميع بعد فوزه في انتخابات الإعادة بتأجيل الإعلان عن هذه الدولة إلى العام 2009، أي بعد انتهاء ولايته الثانية وخروجه من البيت الأبيض!. وعلى الرغم من ان الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما يطرح استراتيجية جديدة شاملة لمعالجة قوس أزمات الشرق الأوسط التي تمتد من المتوسط و حتى أفغانستان و باكستان، حيث يحتل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي محوراً مركزياً، والذي ينتهج سياسة خارجية منفتحة على جميع الأطراف بمن فيهم خصوم أميركا، فانه سيصطدم بدولة إسرائيل الحليف التاريخي للولايات المتحدة والرافضة الحل الذي يطرحه المجتمع الدولي، القائم على إنشاء دولة فلسطينية و عاصمتها القدس تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل . الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما الذي يريد أن يغير الصورة السلبية عن الولاياتالمتحدة الأميركية في العالمين العربي والإسلامي، حدد جدول أعمال أميركيا للمرحلة المقبلة للتوصل إلى تسوية دائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يتضمن تفويض مصر برعاية القضية الفلسطينية، وتكليف الأردن بتشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، واعتبار السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس شريكاً وحيداً للمؤسسات الدولية في إعادة إعمار غزة، وقد أرسل السيناتور السابق جورج ميتشل كمبعوث أميركي خاص يعمل لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وفي خطابه في البرلمان التركي شدد على حل الدولتين الذي أطلقه سلفه بوش. بيد أن الرئيس أوباما يواجه الآن تحدياً كبيراً، يتمثل في معارضة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، ما بات يعرف بحل الدولتين، حيث إن الأولوية لدى بنيامين نتانياهو تكمن في القيام بضربة عسكرية استباقية ضد منشآت إيران النووية، وتجميد عملية السلام، وهو يحمل على عاتقه كبديل ما سماه مشروع السلام الاقتصادي، في ظل رفضه للسلام، ورفضه إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإطالته أمد الانشقاق الفلسطيني، وتكريس غياب المحاور الفلسطيني القادر على التحاور مع إسرائيل وبالتالي التهرب من المفاوضات، وهذا فيما أصبحت المبادرة العربية للسلام في مهب الريح بعد الحرب الإسرائيلية التدميرية على غزة. وكان وزير الخارجية الإسرائيلية الجديد أفيغدور ليبرمان أعلن خلال تسلمه حقيبة الخارجية من الوزيرة السابقة تسيبي ليفني: «أن إسرائيل ليس لديها شريك للسلام»، وأضاف: «ليس هناك سوى وثيقة وحيدة تلزمنا، وهذه الوثيقة ليست مؤتمر أنابوليس... بل خريطة الطريق»، لكي يتظاهر أمام العالم بأنه يؤمن بشيء إيجابي ما. الحقيقة الماثلة للعيان، أن الحكومة اليمينية المتطرفة بزعامة نتانياهو ليست مقتنعة بضرورة إنشاء دولة فلسطينية. فبعد موت اتفاقيات أوسلو، ودفن مسار أنابوليس، ومرور الزمن على «خريطة الطريق»، وتجاهل إسرائيل للمبادرة العربية للسلام، تلاشت إمكانية إنشاء دولة فلسطينية من يوم إلى آخر، وهذا من جراء التوسع في الاستيطان في الضفة الغربية، ودأب الحكومات الصهيونية المتعاقبة على رفض تقسيم القدس، إضافة إلى ما تعهد به نتانياهو من موافقة على بناء مستوطنة جديدة تضم 3500 منزل خارج القدس، وتحيط بالأحياء العربية للمدينة. إسرائيل لا تريد حلا لقضية القدس، ولا تريد إلا سلامها الخاص الذي يقوم على اعتراف العرب بها كدولة يهودية خالصة، أي أنها تسعى إلى الحصول على اعتراف بأرض الميعاد، وهي فكرة تستند إلى دعوى توراتية ونهاية رمزية للاضطهاد الذي عانى منه اليهود على مر العصور، والذي بلغ ذروته مع الاضطهاد النازي، وفق وجهة نظرهم. ومن وجهة النظر العربية عامة، والفلسطينية خاصة، يمثل هذا الاعتراف استسلاماً شاملاً لمطالب الحركة الصهيونية العالمية وتجسيدها المادي، إسرائيل، ونفياً مطلقاً لحق الشعب الفلسطيني أن يكون سيداً على أرضه التاريخية المعترف بها من قبل الشرائع والأديان السماوية، إضافة إلى القانون الدولي الحديث. ومع تحول حل الدولتين إلى شرارة للخلاف بين نتانياهو وأوباما، هل سيتمكن الرئيس الأميركي من فرض شروطه على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للمضي قدما في عملية التفاوض وفقا لتسوية أميركية تفضي في النهاية إلى اتفاق نهائي مدعوم من المجتمع الدولي للوصول إلى إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة، تجنبا لانتفاضة فلسطينية ثالثة؟ إذا كانت إدارة أوباما تريد إحياء الأمل بحل الدولتين، فإن ذلك يقتضي منها إحداث تغيير جذري في السياسة الأميركية الخاصة بالقضية الفلسطينية، لجهة فرض تسوية حقيقية في منطقة الشرق الأوسط، حتى لو أدى الأمر الى الاصطدام باللوبي الإسرائيلي في الكونغرس. * كاتب تونسي مقيم في دمشق.