ماذا يعني أن تحتفل جدران متحف «معهد العالم العربي» في باريس بذخائر مختارة من أشهر مجموعة فنية إسلامية (وأشدها اكتمالاً) وهي المعروفة باسم صاحبها «ناصر الخليلي». هو المعرض - الكنز الذي يستجيب لأبرز اهتمامات المعهد ومغتربي الثقافة العربية، خصوصاً أن هذا الموروث التراثي غائب عن المتاحف العربية ما خلا شذرات في المكتبة الوطنية في القاهرة وبعض المجموعات المحدثة في عدد من دول الخليج العربي (مجلس التعاون)، وهو ما يستحق الإشادة والاعتراف بالفضل المتأخر. بدأ الخليج مجموعته منذ عام 1970 لتصل اليوم إلى أكثر من ألفي قطعة فنية نموذجية نادرة، تمثل شتى أنواع الصناعة الذوقية الإسلامية خلال أربعة عشر قرناً في أشهر الأمصار والمحترفات، ما بين إزنيخ وبغداد وقرطبة ودمشق وأصفهان وهيرات وأكرا والقاهرة الخ... المتعددة المواد والطرز النخبوية، ما يفسر أسباب استعارة اكبر المتاحف من هذه المجموعة ذات الاختصاص العمودي (مثل متحف المتروبوليتان). أما معرض اليوم فقد اقتصر على 471 قطعة فنية مختارة بعناية لتمثل هذه الخريطة المهنية الزاهية والمتباعدة وبخاصة النخبوية العالمية التقنية منها. هو معرض رحالة متنقل لأن المجموعة لا تملك مستقراً متحفياً لها. يحط المعرض رحاله في باريس «معهد العالم العربي» بعدما عرض لفترة طويلة في الإمارات العربية المتحدة وقبلها في استراليا. يستمر المعرض الراهن حتى منتصف آذار (مارس) من العام 2010 متزامناً مع عدد من التظاهرات الرديفة الموازية من عروض وندوات ومحاضرات ودورات تعليمية وتثقيفية للشباب. يعانق المعرض إذاً الصناعات النموذجية بقطعها النادرة التي تكشف عمق تأثير الفلسفة الروحانية والتصوفية الإسلامية في شتى الميادين والطرز، بخاصة أن هذا التداخل يرفع الحدود بن الدنيوي والديني، الذوقي والنفعي، المادي والمعراجي، إذ نجد «الموتيف» نفسه وزخرفة الحراب على سجاجيد الصلاة وفي الكوى الجدارية في صالات المعيشة الأخرى. أما الكتابة وتعددية طرز أقلامها وأنواعها من «الطومار» (الأموي) إلى «نصف التعليق» (الفارسي) إلى «ثلث» خطاطي بغداد العباسية: من ابن مقلة والمستعصمي وابن البواب، وصولاً الى «الطغراء» و «الديواني» في العهد العثماني. أما قلم «النسخ» فقد تطور في شتى المحترفات الخطية سواء البلاطية منها أم تلك التي في مساجد العامة وأسواق الوراقين في المدينة القديمة، وذلك عموماً لارتباطه بنسخ القرآن. أما الحليات القرآنية فمرتبطة بالرقش والترقين والأرابسك والتعريقات النباتية والهندسية الشائعة. يتفوق فن رسوم المخطوطات المعروف باسم المنمنمات بنخبويته، لأنه أصبح أداة للتباهي في مكتبات البلاط والسلطان والإمارة ولدى العاهل أو الإمبراطور أو الخليفة مثل المأمون. تثبت ملايين الصفحات المرسومة «وهم» دعوى تحريم الصورة المشخصة لأن التقاليد المعراجية الذوقية في الرسم كانت تعتمد على التنزيه وليس على التشبيه المادي الوصفي. هو ما تكشفه الحيوانات والكائنات الرمزية (العطارية كما هي في منطق الطير)، فالعنقاء (السيمورغ) والبراق والهدهد والفينيق... ما هي إلا كائنات رمزية روحية كالطاووس والتنين. نعثر في هذه الصفحات على سير الأنبياء والقصص المعروفة وتاريخ الملوك الساسانيين وما بعدهم، لذلك فإن عبقرية هذا الرسم توزعت ما بين المدرسة العباسية المبكرة في القرن الثالث عشر الميلادي (الواسطي وابن جنيد) ومدرسة هيرات وتبريز في العهد الصفوي بمعلمها النقشبندي الأول «بهزاد». وهنا نصل إلى الصراع بين استقلالية الرسوم الإسلامية (وتلوينها الموسيقي)، وما وفد من الفن الصيني الطاوي مع الهجمات والحكم المغولي. لكن المجموعة لا تهمل نخبوية سيراميك ازنيخ (وتأثيره في الماجوليك الايطالي)، وكذالك حرائر الموسلين ثم القيشاني وزجاجيات الشرق الأوسط (اللبناني والسوري)، ثم العاجيات المنحوتة الفاطمية وخشبيات العصرين المملوكي والأيوبي، ثم معدنيات الأندلس المحمولة تقاليدها من أسرار تعدينات السيوف الدمشقية (دامسكينو)... هذا اضافة الى الأواني الملغزة الخاصة بالوضوء أو الحج، وبعض المشخصات المتحركة آلياً والمستقاة من مهندس بلاد الشام «الجزري».