تجليد الكتب من المهن القديمة التي يمكن القول انها في طريقها إلى الاندثار، إذ تمكنت تكنولوجيا الطباعة الحديثة من الهيمنة على صناعة الكتاب، من الألف إلى الياء. وتعتمد مهنة التجليد على المهارة اليدوية. ومن مستلزماتها الخيط، الدوبار، الكاشدا، الغراء، الجلد، وأوراق التغليف. وهناك عائلات وأسر عريقة ارتبط اسمها بهذه المهنة مثل عائلة عبدالظاهر التي ما زالت تمتهن تجليد الكتب، وتسعى إلى بقائها والحفاظ عليه، وذلك في ورشتها في مبنى وكالة قايتباي، خلف جامع الأزهر الشريف في القاهرة حيث التقت «الحياة» الحاج حسن عبدالظاهر. بدأ مشوار الأسرة مع التجليد عام 1936 مع الجدّ الأول محمد عبدالظاهر. كانت حينذاك مهنة رائجة في منطقتي الأزهر والحسين، لازدحامها بالمشايخ وطلاب العلم، ومحبي القراءة. ويحكي عبدالظاهر الذي لم يُكمل تعليمه، أن الظروف الاجتماعية دفعته إلى العمل في هذه المهنة منذ نعومة أظافره، «وهي مصدر رزق لأسرتي». وصناعة التجليد قامت في الأساس على كتب التراث المنتشرة كثيراً في مصر، والتي كانت في متناول الجميع نظراً لأسعارها الزهيدة، إبان سنوات الخمسينات والستينات. وهكذا كان أصحاب هذه الكتب المتداولة من جيل الى جيل، يُجلّدونها للحفاظ عليها. وكانت غالبية الزبائن من الأثرياء وأصحاب المكتبات الخاصة، الذين يلجأون الى تجليد كتبهم والألبومات التذكارية، كنوع من الوجاهة الاجتماعية. كما كان طلاب الأزهر من بين الذين يتعلّمون هذه المهنة، لتجليد كتبهم الخاصة لسنوات مضت. أما اليوم، فصارت غالبية الزبائن من الأجانب لأن «نوعية التجليد اليدوي تستهويهم، خصوصاً الكتابة على الغلاف بماء الذهب». ويأسف عبدالظاهر لأن «التجليد حرفة أصبحت شبة مندثرة الآن». يهزّ برأسه ويكمل: «لكن مشوارها يحتاج إلى صبر طويل ومهارة في الصنعة». ويشير الرجل السبعيني إلى أن مهنة التجليد أساسها المهارة اليدوية. «تجليد الماكينات يختلف عن التجليد اليدوي لكونه يستمر عمراً طويلاً ولا يتلف»، يقول، ويشرح إن «الكتب ذات الأحجام الكبيرة تتطلب خامات من الجلد البقري في تجليدها، أما الصغيرة منها فنستخدم فيها جلد الماعز». وتتم دباغة هذا الجلد بمكونات نباتية خالية من المواد الكيماوية. ومن أهم الشخصيات التي جلّد الحاج حسن كتبها، الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، والأمير المغربي عبدالكريم الأخطابي، وملك وولي عهد بلجيكا، وزوجة سفير بلجيكا، وولي عهد تايلاند، ورئيس سويسرا، وعدد كبير من السفراء والديبلوماسيين. ويؤكد أن «بعضهم كان يفضل الحضور الى هنا، ويتابع بعض مراحل التجليد التي تبهره وتستحوذ على إعجابه». أما عن المشكلة الأساسية في مهنة التجليد، فيفيد بأنها تكمن في تدريب العمالة اذ يندر أن يأتي شخص يريد امتهان التجليد: «يبدأ العامل مشواره معنا منذ المراهقة ويتولى الأسطا تدريبه لمدة خمس سنوات، ثم يصبح صانعاً يتولى تجليد الكتب، ويتدرّج حتى يصير أسطا بنفسه». ويتابع: «نتّبع كثيراً من السبل والأساليب مع الصبيان حتى يتمكنوا من استيعاب الصنعة، لأن غالبية من يلجأ إلى هذه المهنة من المتسربين من المدرسة، وقدرتهم قد تكون محدودة. لذلك يستغرقون وقتاً طويلاً في الاستيعاب». ويشير الحاج حسن الى أن أبناء محترفي المهنة يضطرون إلى ممارسة المهنة لغياب المحترفين من خارج عائلاتهم. لكنه يحلم بتلك الأيام الخوالي حيث كانت هذه «المهنة من ذهب». ويلعن الساعة التي جاءت فيها ماكينات التجليد الحديثة التي «اهتمت بالكمية على حساب النوعية والفنية». br / فرنسا تأتي في مقدمة الدول التي يصدر محترف عبدالحافظ منتجاته إليها. وهناك «شركات تتولى تسويق إنتاجنا المختلف من الألبومات، الاسكتشات، علب حفظ الأوراق، المستندات، الأسطوانات وعلب المناديل الورقية. وهذا التنوع في المنتجات جاء به الجيل الحالي من أسرة عبدالظاهر». ويوضح أن مراحل تجليد الكتاب تصل إلى 32 مرحلة أهمها الفك، الخياطة، لصق الغراء، وضع الكعب الجلد بحسب مقاس الكتاب. وتبدأ رحلة التجليد بتفكيك ملازم الكتاب، ثم الخياطة اليدوية، ولصق البطاقة، وقص الأطراف، ووضع الغراء في كعب الكتاب وتدويره حتى يأخذ شكل الهلال. ويوضع الكرتون للتقوية، ثم الدق على كعب الكتاب، وتسويته مع كرتون الحشو، ما يجعل الكتاب متيناً جداً. ويلي ذلك تركيب الجلد، وتركيب أركان الجلد. وهناك مراحل أخيرة، كالغسيل، الكي، التخريم، ثم جمع الحروف لعنوان الكتاب واسم المؤلف.