قامت المملكة بإرسال منح دراسية لجميع دول أوروبا وأميركا وغيرها من الدول المختلفة في جميع أنحاء العالم، متمثلة في كثير من الدول التي سبقتها منذ عقود، وأرسلت أبناءها في بعثات دراسية للدول المتقدمة، كانت هذه البعثات تتمثل في الحصول على جيل ينقل لمجتمعه الكثير من الثقافات الخارجية المختلفة القابلة للتطبيق في مجتمعاتنا، بجانب التعليم مثل التفاعل مع الغير وسماع وجهات النظر المختلفة وتقبلها، الدخول في نقاشات مع ثقافات وديانات متنوعة، للتأكد من أن ما يحملونه في رؤوسهم من وجهات نظر وآراء تمثل الرأي الصائب والصحيح، وليس فقط التمسك بآراء لا يعلمون هم بأنفسهم لماذا يتمسكون بها، إن التناغم مع شعوب مختلفة تحمل العلم والفكر بجانب العادات والتقاليد والثقافات يعتبر عاملاً رئيساً لتطبيق التغير في أي بلد تطمح إلى ذلك. كلفت هذه البعثات خزانة الدولة أموالاً طائلة لكل طالب من المبتعثين، فيقوم الطلاب بالتقديم للابتعاث، تقوم الدولة بعدها باختيار الأكفأ منهم وإرسالهم لطلب العلم، قد تكون الدولة بذلك نفذت ما تطمح إليه كثير من الدول في التخطيط لإنتاج جيل يطبق التغيير المتعطشة له بلاده، وأيضاً تطبيق تعاليم الدين الإسلامي الذي يعتبر دستورها دولة إسلامية. تتكفل الدولة ليس فقط بالتعليم لكل طالب، بل بالمسكن والعلاج، وبراتب شهري يُمنح له ولعائلته، وبذلك تكون قد حققت كل سبل الحياة المريحة التي يمكن أن يحظى بها أي طالب علم. ووفقاً للاستراتيجية المدروسة من وزارة التعليم يكون المتوقع أن تحظى المملكة بعد أربع سنوات بخريجين يحملون الفكر، العلم، والثقافة، وكل ما هو قابل للتطبيق لإحداث التغيير المطلوب في بلادنا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا ما يحدث بالفعل؟ إن الذي يحدث غير المخطط له، ويرجع ذلك لأسباب مختلفة. عند انتقال الطلاب إلى بلد الابتعاث يكوّنون تجمعات عربية، خليجية، سعودية، ما لا يسمح إطلاقاً لأي من الجنسيات الأخرى تقديم طلب عضوية للانضمام لديهم في هذه الجمعية، لأنه بالتأكيد سيقابل بالرفض، والسبب هو عدم تقديم طلبه بملف علاقي أخضر يحمل صورة من جواز سفره السعودي، وإن قام أحد الطلاب السعوديين بمحاولة الاختلاط مع تجمعات أخرى يقابل بالنقد من أعضاء الجمعية الأم. من أهم الأسباب التي يمكن أن تجعل أي إنسان يرفض الاختلاط والتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه، شعوره بالفرق بينه وبين هذا المجتمع، وذلك إما بالنقص أو بالتعالى وفي الحالتين يكون خاسراً، إذا كان بالنقص فمن المفترض أن يحاول أن يتعايش معهم لكي يكتسب منهم الثقافات التي يفتقدها، وإن كان بالتعالي وكان يشعر أنه أفضل منهم فلا أعتقد أن هذا المجتمع هو المجتمع المناسب له ليتعلم منه ومن ثقافته ما يفيد بلاده. يرجع الطلاب المبتعثون إلى بلادهم لا يحملون في رؤوسهم غير ما كتب في هذه الكتب فقط، وهو لا يكفي لتطوير مجتمع تكبد كل هذه الخسائر ليطمح إلى تعليم جيل يأتي ليطبق التغيير. ليس التعليم فقط هو ما تحتاجه الأمم لتطبيق التغيير، بل تحتاج لعوامل أهم من ذلك حتى وإن جاء التعليم يكون المجتمع مؤهلاً وقابلاً لتلقيه، إن من أهم الأسباب التي جعلت الدول المتقدمة تصل إلى ما وصلت إليه حالياً الاختلاط مع الشعوب الأخرى وتبادل الأفكار ووجهات النظر ومناقشتها، ليصلوا لنقطة الالتقاء ويسيروا معاً في هذا التقدم. قد كان من الأفضل أن تجلب الدولة للطلاب هذه الكتب إلى مجتمعاتهم، ليقرؤوها بفكرهم نفسه وتحليلهم للأمور ووجهات نظرهم، من دون تكبيد خزانة الدولة أموالاً طائلة لهم ولأسرهم لكي نحصل في النهاية على جيل لا يطبق التغيير المتعطش له مجتمعنا ونكون من الخاسرين. [email protected]