اختتم اللقاء الوطني للحوار الفكري يومه الثاني والأخير، ب «هدوء نسبي»، وإن حدثت «تجاذبات حادة» في الآراء، شهدها اليوم الأول. إلا أن مشاركين وصفوا اللقاء ب«المرن مع تمتعه بتوجيه النقد والاختلاف بحرية تامة». واستعرض المشاركون على مدى الجلستين الأخيرتين، رؤاهم وتطلعاتهم حول «قضايا الخطاب الثقافي السعودي»، و«استشراف مستقبل الخطاب السعودي». وأنهى اللقاء فعاليته التي أقيمت على مدى يومين في محافظة الأحساء، وجاء تحت عنوان «واقع الخطاب الثقافي السعودي وآفاقه المستقبلية»، بجملة من التوصيات، كان أبرزها أن «يقوم مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بعقد لقاءات حوارية عدة، في موضوع الخطاب الثقافي السعودي، وان تتناول اللقاءات المقبلة القضايا المهمة». وشدد المشاركون على أن من بين أهم القضايا التي يمكن أن تتناولها اللقاءات المقبلة «التجديد في الخطاب الثقافي السعودي، وأيضاً «قضيته والعولمة، واتصاله بالهوية الوطنية، ومشاركته في بناء مشروع وطني، وعلاقته بالحضارات والثقافات الأخرى، والتشديد على التحاور حول علاقة هذا الخطاب بالمذاهب الإسلامية المختلفة». وأوصى المشاركون، بأن «يتعاون المركز مع المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية الحكومية والأهلية، لتكون محاضن فاعلة لتنمية الخطاب الثقافي السعودي، ودعمه مادياً ومعنوياً، وتدارس الشأن الثقافي، لتحقيق مشروع ثقافي وطني تكاملي، تكون فيه تلك المؤسسات مُعبرة عن توجه وطني مُشترك. إلى جانب قيامه بعقد ورش وجلسات عمل، يلتقي من خلالها مثقفو المملكة بمختلف تخصصاتهم وأطيافهم الفكرية والمذهبية والمناطقية، لتكون أسساً عامة وشرعة ووطنية للخطاب الثقافي، تتجاوز الالتباسات التي تعوق مسيرته». وتطلعوا في بيانهم الختامي، إلى أن يكون مركز «الملك عبد العزيز للحوار الوطني»، «ضماناً لحوار متكافئ، ومرجعية للتيارات والأطياف كافة، كي تعبر عن ذاتها»، مؤكدين على أن «الثقافة في المجتمع السعودي بتنوعها وتراكمها، عامل ثراء. وينبغي أن يسهم المركز ومختلف المؤسسات المعنية في جعل هذا التنوع مصدر قوة وارتقاء المجتمع». ميثاق شرف من أجل الوطن ناقش المشاركون في الجلسة الثالثة «قضايا الخطاب الثقافي السعودي»، التي من خلالها قسم مشاركون المجتمع إلى «محافظ غير مجدد، ومجدد غير محافظ»، في إشارة إلى الانغلاق الفكري للتيارين المختلفين المهيمنين على الخارطة الثقافية السعودية، مع الدعوة إلى «ميثاق شرف من أجل المحافظة على الوطن الذي يمر بأزمة تدمير يمارسها البعض ضد البعض الآخر، وضرورة الإفادة من نماذج الخصوصية المثالية لدول متقدمة مثل أميركا واليابان». وانصبت الأحاديث حول أن «الوطنية هي قبول أبناء الوطن على مختلف اتجاهاتهم وأعراقهم ومذاهبهم، وهي تشجيع لكل يد تمتد للبناء، وهي الحب لكل آفاق هذا الوطن». فيما أشارت مداخلات إلى أن التناحر الثقافي حول الهوية «انتقل بالمجتمع إلى التخلف، وضيق الأفق والتعصب والعنصرية». وطرحت فكرة أن «الخطاب الديني يعزز الإيمان، وهو كل لا يتجزأ، ولا مصلحة في إضعاف تأثير هذا الخطاب وتهميشه». وأشار مداخلون إلى أن النخبة الثقافية «عاجزة عن صوغ خطابات مقنعة حول الهوية الاجتماعية». وطالبوا بأن «تكون الهوية التي ننشدها منطلقة من الكتاب والسنة فقط». فيما أكد آخرون على أن المبالغة في إسقاط الخصوصية على الخطاب الثقافي، يُعيق وصول هذا الخطاب إلى الآخرين». وطالبت إحدى المداخلات بأهمية «إيجاد تعريف متفق عليه لكل من الخصوصية والهوية والمواطنة، كي لا يحدث لغط في هذه المصطلحات المهمة». فيما أكد أحد المداخلين على أن «الإقصاء يصدر من ذات الاتجاه، وليس من مخالفيه، فالفكر والثقافة عرض وطلب». وشددت مداخلة على أن «الخصوصية تمنع الاختلاط، والسينما تعيق تعزيز الهوية». وأشار أحد المشاركين إلى أن الإقليمية والقبلية «أحدثت خللاً كبيراً في المواطنة، فالمحروم من حقوقه لا يشعر بالوطنية»، مضيفاً أن «إطلاق الاتهامات بأن الوطن أصبح مرتعاً للفساد والإرهاب، يتناقض مع موضعية الطرح للنخب المثقفة». وتكرر مصطلح «التعددية» كثيراً خلال المداخلات، لتصبح محل جزر ومد. وأكدت إحدى المشاركات على أن «المجتمع السعودي متعدد، ولن نبني هوية مشتركة إلا على حقيقة التعددية في المجتمع». وأدهشت مداخلة المشاركين، حين أعلنت أن «الاختلاف حول مفهوم الخصوصية يجعلنا أكثر شعوب الأرض حديثاً عنها، وهي مشكلة تدفع للغرور والشعور بالفوقية على شعوب الأرض». ولم تكن المداخلات ذات جرأة وموضوعية واحدة، من دون التكرار النمطي المعتاد، فقد فجر أحد المداخلين تصريحاً أثار الدهشة في عيون المشاركين حين قال: «شيوع ظاهرة التخوين الوطني لمجرد الاختلاف الفكري هو أمر أصبح يشهد توسعاً كبيراً». وتتالت المداخلات في تصاعد مستمر، ليبرز الصراع بين من يرون أن «الهوية الوطنية يجب أن تكون نابعة من الإسلام»، وبين من يرى خلاف ذلك. ومن تلك المداخلات «لا يوجد شعب بالغ في إصدار الخصوصية على كل شيء بمقدارنا». وبين من رأى أن «الخصوصية جعلت المواطنة تأتي في الخطاب السعودي على استحياء». وساد التشاؤم في مناقشة المحور الرابع، الذي خصص للتحاور حول «استشراف مستقبل الخطاب الثقافي»، مع وجود متفائلين بهذا المستقبل، وأبدى الدكتور علي بابكر، تشاؤمه من أن تنفذ توصياته، وذلك من تجارب سابقة، إلا أنه قال: «لا يجب أن يكون هذا الحوار مظلة لتكريس سياسات الأمر الواقع، وتمرير مشاريع تزيد الهوة». ولم تختلف نورة خالد السعد، عن زميلها، إذ بدت متشائمة حين قالت: «منذ حضوري الأول في مؤتمر الحوار الوطني العام 1424ه، لا أزال أرى وجوه المشاركين نفسها، مع تكرار الاتهامات نفسها، وخلال الست السنوات الماضية لا تزال المؤسسات الثقافية منابر للمروجين لمصطلحات الثورة الفرنسية، يكررون الاتهامات نفسها للفكر الإسلامي، ويطبقونها على هذا المجتمع»، مضيفة «يجب أن نتساءل ما هي الخطوة المقبلة؟، فحواراتنا خلال هذين اليومين لا تستند إلى دراسات ميدانية دقيقة، نستحق بعدها أن نضع توصيات»، مشددة على أنه «لا يجب أن يكون مركز الحوار مركزاً لتمرير رأي الأقلية على الأكثرية». وأكد حمد القاضي، أن «منجزنا الثقافي يتوافق مع حضورنا السياسي وينقصه التسويق، بسبب نظرة مثقفين للثقافة على أنها «هواية»، وبعض المخرجات الثقافية لا تمثل الواقع السعودي، مع غياب لإدارة النشر الرسمية، التي تسوق للخطاب الثقافي السعودي وتترجمه وتوصله لآفاق عالمية».