ان تطبيق آلية القطاع الخاص نفسها في الرقابة على الالتزام او الرقابة الداخلية يتطلب تمويلاً، وهنا يمكن اللجوء إلى جملة حلول، فإما ان تتولى وزارة المال بالتعاون مع ديوان المراقبة العامة تأهيل شركات استشارية من القطاع الخاص على غرار المحاسبين والمراجعين القانونيين، وهذا قد يؤخر التنفيذ، او ان تلجأ الوزارات ذات الايرادات مثل البلديات مثلاً إلى تخصيص جزء من إيراداتها لهذا المجال، اما الوزارات الأخرى مثل التعليم والصحة فيمكنها استحصال رسوم على رخص القطاع الخاص وتوجيه جزء منها لهذا الغرض. أيضاً يمكن إعارة موظفي التدقيق الحاليين للقطاع الخاص بعد فرزهم بغرض تأهيلهم لأداء المهمة نفسها، أو لعل من هو خير مني في التخطيط المالي يتوصل لآلية ناجعة تحقق هذا الهدف. ان المتأمل في الحال والمقارن بين القطاعين الحكومي والخاص يجد امكان تطبيق صيغ المحاسبة «بمعناها الرقمي والمعنوي» والرقابة المعمول بها في الشركات في الجهات الحكومية، لكن ذلك يحتاج الى تكلفة عالية. البيان الذي اصدرته وزارة المال حول مخصصات مشاريع التصريف بكل أنواعه في جدة حوى رقماً فلكياً تخيل لو ان واحداً في المئة منه استثمر في الرقابة على الالتزام بمفهومها الحقيقي الواسع المطبق حولنا، هل سنصل الى النتيجة نفسها؟ ان وصولنا لمرحلة متقدمة من الشفافية في القطاع الحكومي طريق طويل، ولن نقطع فيه مسافة تذكر اذا اعتمدنا على «استنخاء» الناس او حثهم في وسائل الاعلام او حتى هزهم ببعض الخطابات، لكن يجب ان نعتمد على آلية نظامية معروفة وواضحة، تجعل الوزراء بالاعتماد على الاشخاص المناسبين قادرين على المسح الشامل لكل خطوة تنفيذية من دون تعطيل تسببه المركزية، واذا كان رجال الاعمال وملاك الشركات والمصانع يعتمدون على انظمة رقابية دقيقة لا تعطل العمل وتضيق على الفساد والفاسدين فبالإمكان استخدام «سكيل» أكبر لتنفيذ ذلك في الحكومة، او على الأقل البدء في التفكير في ذلك. القوانين والانظمة هي نقطة اللاعودة في محاربة الفساد وهي بداية السلم في عملية القضاء على الفساد، إلا أن النصوص القانونية وحدها لن تكون كافية والعمل اليومي العملي في مكافحة هذا الشر يجب القيام به من جانب متخذي القرار الذين يجب ان يعملوا بشكل مترادف مع العديد من الإدارات والاشخاص ليتمكنوا من الكشف عن ممارسات الفساد قبل أن تصبح نتائجها المميتة حسياً ومعنوياً حقائق على أرض الواقع. الرقابة على منجزنا التنموي هي رقابة بعين الحب، هي نظرة مفعمة بالامتنان للوطن، وبأحلام مستقبل افضل لأبنائنا، وبأرقام ومشاريع يسطرها التاريخ رغماً عن انف اي تقرير يعد فقط لتلميع المرحلة، واذا نجحنا في وضع الخطوط العريضة لمراقبة العمل بقلوب وعيون محبة حتى وهي تردع عن الفساد المتعمد والمباشر، والمتأتي من الجهل او الطرق غير المباشرة، فإننا سنؤسس لمرحلة تكون مشاريع التنمية استثماراً وليست استهلاكاً لمواردنا. [email protected]