غالبية السعوديين لم يدركوا وزيراً لخارجية بلدهم غير الأمير سعود الفيصل، هذا إذا اعتبرنا أن غالبية سكان المملكة من الشباب، بحسب الإحصاءات العالمية والمحلية. الأمير سعود الفيصل أمضى 40 عاماً في منصب وزير الخارجية، إلى أن أصبح أقدم وزير خارجية في العالم. قاد الفيصل الديبلوماسية السعودية بإشراف أربعة ملوك (خالد وفهد وعبدالله وسلمان)، وكان في جميع المراحل نجماً ديبلوماسياً. كان الفيصل الوزير الأكثر ملاحقة من الصحافيين، ولعله وزير الخارجية الوحيد الذي يجيب لكل صحافي بلغته، فهو (الفيصل) يجيد إضافة إلى العربية، كلاً من: الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية والعبرية. ترجل الفيصل اليوم بعد 40 عاماً أمضاها في قيادة الديبلوماسية السعودية، وعلى رغم مرارته على كثير من الذين عايشوا الوزير شاباً حيوياً ورجلاً وشيخاً أعياه المرض والترحال، إلا أنه في المقابل يمثل لآخرين خياراً مهماً لتجديد الدماء في الوزارة الأكثر أهمية في الشأن الخارجي السعودي، وهو الشأن الذي تحتاجه الدولة الفتية في هذه المرحلة من عمر الأمة العربية. لم يكن ترجل الفيصل، وإن أبقى الملك سلمان بن عبدالعزيز عليه مشرفاً على الشؤون الخارجية للدولة أمراً سهلاً، إذ امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمئات التغريدات والكتابات التي تودع الفيصل بما يستحق من جيل أحبه وأحب ظهوره اللافت محلياً وإقليمياً ودولياً، بعض المغردين أهدوه صباح الأمس شعراً يليق بقامته الممتدة ل40 عاماً خلت. عاصر الفيصل أزمات إقليمية عدة، فهو جاء إلى «الخارجية» بعد أشهر من حرب أكتوبر 1973، وعايش مراحل مهمة من الصراع العربي - الإسرائيلي، كما عايش الحرب الأهلية اللبنانية وحروب المخيمات الفلسطينية، وحمل ملفات هاتين الحربين في أروقة المنظمات العالمية. عاش سعود الفيصل تفاصيل الحرب العراقية - الإيرانية، ودافع عن الموقف العراقي من الحرب كما لو كان وزيراً لخارجية العراق، على رغم الموقف الحذر لبلاده من تلك الحرب في بداياتها، قبل أن ترمي بثقلها مع العراق. رفض الحرب الأخيرة على العراق، وقال في لقاء مع التلفزيون البريطاني: «إسقاط نظام صدام حسين يحل مشكلة ويخلق خمس مشكلات أخرى»، قبل ذلك عايش الفيصل الصراع في أفغانستان، ومن ثم انهيار الاتحاد السوفياتي. تعامل الفيصل تالياً مع الولاياتالمتحدة بصفتها شريكاً ونداً، إذ وصف العلاقات بين البلدين ذات لقاء بأنها «زواج اسلامي»، في إشارة إلى أنه يحق للمسلم أن يتزوج بأربع، وأن من حق الرياض أن تنوع في علاقاتها الدولية وألا تضع بيضها في سلة واحدة. سعود الفيصل سبق وأن طلب إعفاءه في أكثر من مرحلة بسبب المرض. صحته أخيراً بدأت ليست على ما يرام لدرجة شبه حال الأمة العربية خلال زيارته لمجلس الشورى ب«حاله اليوم»، وفي آخر لقاءاته مع الصحافيين مازحهم وهو يتكئ على عصاه وكان المرض أخذ منه ما أخذ بقوله: هل من مبارز؟ صحيح أن السياسة الخارجية السعودية تدار من مكتب الملك، وأن الملك هو البوصلة الحقيقية للسياسة الخارجية السعودية، إلا أن سعود الفيصل الذي جاء للخارجية من دهاليز وزارة البترول، أصبح أيقونة سعودية لنحو 40 عاماً.