«للرجال فقط» علامة الإرشاد التي توضع على بعض المهن والمجالات سواء على المستوى الدراسي أو العملي، تماماً ككلمة «ممنوع الاقتراب أو التصوير» التي توضع على المناطق العسكرية... هكذا تربينا وبالطبع سنربي بناتنا طالما استسلمنا إلى السلطة الذكورية على المجتمع وأعجبتنا كثيراً حياة الدعة ورطوبة المطابخ ولكن ماذا لو كسرت فتاة جميلة هذه القاعدة؟ وماذا لو لم تكن مجرد فتاة عادية؟.. إنها الأميرة سارة آل سعود أول فتاة عربية تقرر دراسة مجال الملاحة البحرية «Navigation» لتصبح أول قبطان بحري من الجنس اللطيف في منطقة الشرق الأوسط بأكملها وهي المفاجأة التي لم يصدقها الجميع. بدأت القصة بتقدم الأميرة سارة للالتحاق بكلية الملاحة البحرية التابعة للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري (إحدى منظمات جامعة الدول العربية) لتكون الفتاة الوحيدة ضمن عشرات الشباب الذين يدرسون الملاحة البحرية بكل مجالاتها بهدف إعدادهم كضباط بحريين يتولون قيادة السفن المدنية بمختلف أنواعها. وقد كانت مبادرة «صادمة» للجميع بداية من هيئة التدريس بالأكاديمية وحتى الدكتور عاصم عشماوي عميد شؤون الطلبة الذي اجتمع ومعه أساتذة الكلية بالأميرة لمناقشتها في ما تطلب ومحاولة إقناعها بصعوبة الأمر الذي لا يستطيع كثير من الطلاب الذكور احتماله والاستمرار فيه إلا أنها أصرت على خوض التجربة وإثبات جدارتها ومن قبل ذلك إثبات قدرة المرأة على اختراق ما يحتكره الرجال بحجة صعوبته. تقول الأميرة «تعرفت إلى مجال الملاحة البحرية عن طريق كتاب أخذته من إحدى صديقاتي فقرأته كاملاً، ووجدت فيه متعة غير مألوفة وكنت في فترة الثانوية أبحث عن مجال غير تقليدي كي أدرسه وأثبت فيه نفسي، وبالفعل التحقت في البداية بكلية اللوجيستيات في الأكاديمية ثم وجدتها مجرد دراسة نظرية إدارية أما رغبتي الحقيقية فكانت أن أصبح أول قبطان بحري امرأة من السعودية فطلبت من إدارة الأكاديمية الانتقال إلى كلية الملاحة البحرية وكانت صدمة كبرى للجميع» ربما تكون للصدمة التي تتحدث عنها الأميرة سارة أسباب منطقية تعود إلى الطبيعة البيولوجية والبيئية للمرأة في مقابل المناخ القاسي والدراسة الصعبة لمجال النقل الملاحي حيث تسير الدراسة داخل الأكاديمية بنظام شبه عسكري من حيث الالتزام وأداء التدريبات الشاقة وضرورة اكتساب مهارات كثيرة تتعلق باللياقة البدنية والسباحة وآليات قيادة السفينة فضلاً عن مهارات التحكم في الفريق وحل المشكلات وسرعة اتخاذ القرار الذي يتعلق بالبشر والبضائع التي يتحمل مسؤوليتها القبطان» وقد غيّر التحاق فتاة بفصول الدراسة بكلية الملاحة البحرية كثيرًا من الأمور منها على المستوى الخارجي، الاعتراف بتخصص الملاحة البحرية في الأكاديمية من قبل الهيئات السعودية حيث تعتمد المملكة في العمالة البحرية على الأجانب. وعلى المستوى الداخلي تمثل التغيير في إعداد زي خاص بالفتيات اللاتي يدرسن الملاحة البحرية يشبه زي الفتيان حيث ترتدي الفتيات بالكليات الأخرى زيًّا مختلفًا إلا أن الأميرة سارة ساهمت في تسهيل ذلك حين ذهبت إلى مؤسسة الأزياء التي تتولى توريد ملابس طلاب الأكاديمية وقامت بتصميم زيَّها بنفسها (لأن تصميم الملابس والأحذية من هواياتها المفضلة) و من ثم اعترفت به الكلية. أيضًا توقع بعض الأساتذة عدم قدرتها على التواصل في بعض التدريبات حتى أنهم كانوا يقيمونها من دون دعوتها لكنها واجهت ذلك بالمتابعة الدقيقة والإصرار على القيام بما يقوم به زملاؤها الذكور من تدريبات مهما كانت شاقة. تقول عن ذلك.. «هناك بالفعل تدريبات شاقة جداً كان أساتذتي يخافون عليَّ منها مثل التدريبات العملية للأمن الملاحي كالتجديف وقفزة الثقة التي تكون على بعد 10 أمتار لكني في الحقيقة قاومت خوفي وقمت بتأديتها في موعدها المحدد مع زملائي». وحول تعاملها مع زملائها ومع المناخ العام للدراسة أوضحت أنها شعرت بتحدٍ كبير في اقتحامها لهذا المجال خصوصاً حينما واجهت تحذيرات كثيرة من كل جانب إضافة إلى تحملها وحدها مسؤولية قرارها إلا أنها عزمت على الاستمرار أولا لعشقها السفر في عالم البحر ثم بفضل والدتها التي شجعتها ووقفت بجوارها منذ اللحظة الأولى ، تقول عن ذلك «والدتي هي سبب تفوقي دائماً لأنها سيدة قوية ومثقفة، ربتني دائمًا على التحدي وإثبات الذات وكذلك يرجع إليها حبي للعلم والقراءة حيث عودتني منذ صغري على قراءة الأدب الإنكليزي الذي سافرت الى إنكلترا خصيصاً لدراسته» وفي رد على سؤال حول الصورة الشائعة عن المرأة السعودية وحياتها داخل مجتمع منغلق أكّدت القبطان سارة آل سعود «أن المرأة السعودية تواجه تحديات كثيرة من أجل الحصول على حريتها لكنها بالفعل تتمتع بكثير من الامتيازات و أصبحت أكثر حرية وانطلاقًا حتى إن أغلب سيدات الأعمال في المنطقة العربية سعوديات كما أن المجتمعات المنغلقة في المملكة السعودية متمركزة في مدن معينة وهي الآن متجهة نحو الانفتاح واقتحام كل المجالات لأن مناخ المملكة بصفة عامة أصبح مشجعًا بصورة كبيرة والفضل في ذلك يعود إلى الملك فهد ثم الى الملك عبد الله». ولعل المدهش في تجربة سارة آل سعود هو انخراطها في اهتمامات أخرى ذات قيمة بجانب اقتحامها لمجال الملاحة البحرية، منها مثلاً الفن التشكيلي حيث تستعد خلال الشهور المقبلة لإقامة أول معرض لها في مدينة الإسكندرية حيث تقيم وتستكمل دراستها في الوقت نفسه. وقد أكّدت أن علاقتها بالرسم والفن بدأت منذ صغرها حيث تلقت دراسات حرة في هذا المجال وأنها تميل إلى استعمال خامات الفحم والباستيل والزيت مع الاستعانة بمهارات الكومبيوتر والجرافيك. أيضًا تسعى آل سعود هذه الأيام إلى استثمار غرامها بتصميم الملابس والأحذية بالتعاون مع أصدقاء لها في إنشاء شركة كبرى تتبنى علامة تجارية خاصة بها مثل الشركات الأوروبية. وليس ذلك كل شيء فالأميرة سارة تحب كتابة الشعر والخواطر من حين لآخر وتقول إنها ستقوم بنشرها في مراحل عمرية مقبلة ، كما إنها لا تخفي رغبتها في إنشاء شركة ملاحة بحرية تخدم بلدها لكن ذلك «ربما سيأتي بعد اكتساب كثير من الخبرة العملية والسفريات المتعددة لاكتشاف البحر ومختلف بلدان العالم» على حد قولها.