بعد حرب تموز 2006، نجح «حزب الله» في تكريس موقعه على الساحتين اللبنانية والعربية، رغم انه لم يحرر شبرا واحدا من الارض في تلك المعركة، وتسبب في صدور القرار الدولي الرقم 1701، وفرض وصاية دولية على الحدود مع اسرائيل واغلاقها، فضلاً عن مئات الشهداء وتدمير البنية اللبنانية. والنتيجة ذاتها حصدتها حركة «حماس» خلال العدوان على غزة، رغم ان واقع اهالي غزة، على المستويين السياسي والمادي، اصبح اسوأ بكثير مما هو عليه قبل الحرب. خلال الحرب لا احد يستطيع ان يتحدث عن الخطأ والصواب. وطالما انك ترفع شعار الحرب على اسرائبل، فالناس معك، بالصمت عنك او تأييدك. لك الحق ان تسوق الأمّة الى الهلاك، وتوصف بالبطولة. وحين تنتهي المعركة، ينسى الناس الخسائر البشرية والسياسية والمادية، ويتعاملون مع قادة الحرب على طريقة المجتهد، محق اصاب ام اخطأ. ومثلما كان شعار الحرب على اسرائيل وسيلة لتبرير القمع وحكم العسكر، في غير بلد عربي، اصبح اليوم اداة لطغيان الاحزاب والمنظمات على حساب شرعية الدول وسيادتها. هذه الحال تبدو واضحة اليوم في قضية نشاطات «حزب الله» على الارض المصرية. الحزب يرفع شعار الحرب على اسرائيل. وتحت هذا الشعار، استطاع ان يبرر التجاوز على السيادة المصرية، بل يطالب المصريين بالموافقة على هذا التجاوز. واذا لم تستجب مصر، فإن عليها ان تتحمل اتهامها بمواجهة قوى المقاومة في المنطقة، وتكريس مبدأ الحياد مع العدو، وتنفيذ المطالب الاميركية، والتمسك بدور الوسيط، واشغال الرأي العام المصري عن تراجع النظام في كل الملفات الداخلية، الى غير ذلك من تهم. والمؤسف انه وجد من يؤيده، او يصمت عنه. نحن امام معركة شعارات. وما يجري ليس حرباً على اسرائيل، بل صراع عقائدي واقليمي باسمها. والدليل ان بعض الإعلام العربي اليوم يتحدث عن تخاذل المصريين، ويعقد مقارنة بين دور «حزب الله» ومصر في الدفاع عن فلسطين، رغم ان الحزب لم يولد الا العام 1982، وغير قادر على تحرير كامل الارض اللبنانية. حتى ايران التي لم تقدم للفلسطينيين سوى الشعارات دخلت حلبة المقارنة مع مصر، الى درجة القول إن مصر افتعلت خلية «حزب الله» من اجل ان تعلن ايران وقف أعمال الدعم العسكري للمقاومة الفلسطينية، كأن الأساطيل والبوارج الايرانية تحوم حول فلسطين بحثاً عن جبهة للقتال.