تنشر «الحياة» ملخصاً لتقرير أعدته «مجموعة الأزمات الدولية» عن سورية، والعلاقات الأميركية - السورية بعد وصول الرئيس الأميركي باراك اوباما الى السلطة، ويتضمن التقرير توصيات للادارتين الأميركية والسورية. في ما يأتي أبرز ما ورد فيه: يعتري السياسة الخارجية السورية قدر هائل من التناقضات الظاهرية التي طالما حيرّت المراقبين الخارجيين. فالهدف المعلن لهذه السياسة هو تحقيق السلام مع إسرائيل؛ غير أن سورية عقدت تحالفات مع شركاء عازمين على تدمير إسرائيل. ثم ان سورية تفخر بكونها معقلاً للعلمانية لكنها تتبنى القضايا نفسها التي تتبناها حركات إسلامية.... قد تقوم سورية بتعديل سياساتها، لكنها ستفعل ذلك فقط إذا اطمأنت إلى أكلاف ذلك، من حيث الاستقرار الداخلي والمكانة الإقليمية. وهذا يتطلب العمل مع سورية على إيضاح ما ستحصل عليه مقابل مضيّها في رحلة غير مألوفة، وتنطوي بالضرورة على كثير من المخاطرة. يتمثل جوهر المشكلة بوجود قدر كبير من عدم التوافق بين توقعات الطرفين. فالغرب يريد أن يعرف ما إذا كانت سورية مستعدة لتغيير سياساتها في شكل جوهري – الحد من علاقاتها مع إيران، و «حماس» و «حزب الله» أو قطع هذه العلاقات؛ وتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل – كوسيلة لتحقيق الاستقرار في المنطقة. أما سورية، فتريد أن تعرف، قبل التفكير في أي تحوّل استراتيجي مهم، الاتجاه الذي ستتخذه المنطقة وصراعاتها الأكثر تقلباً، وما إذا كان الغرب سيقوم بدوره في تحقيق الاستقرار، وما إذا كانت مصالحها ستكون مضمونة. من وجهة نظر سورية، فإن ثمة أسباباً مقنعة للتمسك بالوضع الراهن، فهذا الوضع ناسب سورية تماماً لحوالى أربعة عقود: فعلى رغم وجود جوار مضطرب ومعادٍ، فقد أثبت النظام قدرته على البقاء في كل الظروف. لقد استعملت سورية علاقاتها بمختلف المجموعات والدول للحصول على الدعم السياسي والمادي، ولعبت دوراً إقليمياً يتجاوز حجمها ومواردها الحقيقية. فما مصلحة سورية في التخلي عن حلفاء كهؤلاء أو التحول عن هذا السياق؟ غير أن الرضا عن الماضي لا يعني الاسترخاء حيال المستقبل؛ فالبلاد تفتقر الى الموارد الطبيعية الكبيرة أو رأس المال البشري، والأبرز من ذلك انها تفتقر إلى عمالة مؤهلة وطبقة أعمال تتمتع بروح الريادة. والسوريون يرون المخاطر على كل الجبهات؛ فاقتصادها يترنح، وبنيتها التحتية مهترئة. وعلى عكس الماضي... لم يعد في وسع سورية الاعتماد على السند أو المدد الخارجيين. كل هذا، خصوصاً عندما يأتي في إطار سوق عالمي تنافسي وأزمة مالية، يحتم إجراء إصلاحات هيكلية من شبه المؤكد أن النظام لا يستطيع القيام بها من دون مساعدة غربية او توافر بيئة إقليمية هادئة. في ما يتعلق بالديناميات الاجتماعية، فإن سياسات النظام تعزز الميول الإسلامية التي يمكن، بمرور الوقت، أن تعرّض الأساس العلماني للنظام للخطر. كما أضعف تخفيض الدعم وانهيار نظام الرفاه الاجتماعي، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، الدعامات الأيديولوجية للنظام؛ وقد حل محل الخطاب القومي تدريجاً خطاب «المقاومة» الذي يحوي عوامل مشتركة مع الحركات الإسلامية أكثر مما يرتبط ب «بعث» الماضي. ثمة اشتباكات بين قوات الحكومة والمتشددين الإسلاميين أحياناً، يتراجع تواترها عندما يتبنى النظام القضايا الإسلامية الإقليمية في شكل واضح، ما يؤدي إلى إضعاف رؤيته العلمانية. إن الموقف الذي تم تبنيه خلال السنوات القليلة الماضية، والمتمثل في العلاقات الوثيقة مع إيران وحماس وحزب الله، ودعم المقاومة ضد إسرائيل وكذلك دعم ما شكّل توجهاً سلفياً للجماعات المسلحة العراقية، أدى إلى تشجيع نزعات تهدد التلاحم الاجتماعي الطويل الأمد. يمكن أن يتبين أن المكاسب الأخيرة المتحققة في المنطقة هي مكاسب موقتة. مهما شعر القادة بأن موقفهم كان صحيحاً في ما يتعلق بالعراق (حيث عارضوا الحرب الأميركية)، وفي لبنان (حيث لم يتمكن الائتلاف المدعوم من الغرب من تركيع سورية، وثبات حزب الله في مواجهة إسرائيل) أو في فلسطين (حيث اكتسب حلفاؤها الإسلاميون النفوذ)، فإنهم يظلون منشغلين بالصراعات وخطوط التماس التي ما زالت قائمة. إن انتشار الطائفية وانعدام اليقين على حدود سورية الشرقيةوالغربية، والطريق المسدود الذي وصلت إليه عملية السلام العربية – الإسرائيلية وخطر المواجهة في شأن البرنامج النووي الإيراني ما زالت تلبّد الأفق بالغيوم... قد يكون التجسيد الأفضل لتذبذب سورية – اعتمادها على التحالفات القائمة من جهة وسعيها إلى الخروج من الوضع الحالي من جهة أخرى – في التوازن الذي تسعى إليه في العلاقة مع إيران وتركيا. يجادل المشككون بالنظام بأنه لن يقطع علاقاته مع إيران، وهم محقّون... غير أن هذا يشكل نصف الصورة فقط؛ أما النصف الآخر فيتكون من بناء العلاقات مع أنقرة. بالنسبة الى دمشق، فإن هذه العلاقات تشكل فرصة للتحفيز الاقتصادي من خلال زيادة عدد السياح والاستثمارات وإمكانية قيام منطقة أكثر تكاملاً يمكن سورية أن تلعب دوراً مركزياً فيها. علاوة على ذلك، فإن هذه العلاقات تتمتع بقيمة استراتيجية هائلة بصفتها بوابة تنفتح على أوروبا ووسيلة لتعزيز شرعية النظام في أعين مواطنيه وأعين مواطني العالم العربي السنّة في شكل عام. إضافة إلى ذلك، فإن الأمور ليست هادئة تماماً على الجبهة الإيرانية؛ فقد أصبحت العلاقة أقل تكافؤاً وعلى نحو متزايد مع ارتفاع حظوظ طهران. إن قرب سورية الشديد من إيران أضر بمكانة سورية في أعين العرب ولم يعد في الإمكان إخفاء الخلافات العميقة. تراقب سورية بقلق توسع النفوذ الإيراني، من العراق (الذي تعتقد سورية بوجوب بقائه في الفضاء العربي وحيث تعارض دعم إيران للأحزاب الشيعية الطائفية) إلى اليمن (حيث وقفت سورية مع الرياض في ما يبدو أنه حرب بالوكالة ضد طهران). وباختصار، فطالما بقي محيط سورية غير مستقر، فإنها ستحتفظ بعلاقاتها القوية مع إيران؛ وستسعى في الوقت نفسه لبناء علاقات مكمّلة مع آخرين (تركيا وفرنسا وأخيراً مع السعودية) لتوسيع حقيبتها الاستراتيجية والتوجه نحو مستقبل قد يكون مختلفاً. كان من المتوقع أن تكون جهود الرئيس أوباما شاقة ومضنية لتجاوز إرث صعب من عدم الثقة المتبادل. للمشككين في سورية نظراؤهم في دمشق الذين يعتقدون بأن واشنطن لن تقبل فعلياً بأن يكون لبلد عربي دور إقليمي مركزي. إن تحركات الإدارة البطيئة والحذرة ليست بالضرورة أمراً سيئاً. ثمة حاجة الى الصبر والواقعية. إن المنطقة تحفل بعدم الاستقرار في شكل لا يسمح لسورية بأن تتحول فجأة؛ فالعقوبات الأميركية مرتبطة بسياسات سورية تجاه «حماس» و «حزب الله»، وهذه بدورها رهن تحقيق اختراق مع إسرائيل والذي لا يبدو أن الظروف نضجت لتحقيقه. كلا الطرفين غير مستعدّين لقفزة مفاجئة، وكلاهما لديهما مشككون داخليون وخارجيون عليهما التصدي لهم. غير أن تحقيق التقدم لا يثير القلق كالتوجه الذي يسير فيه. يبدو أن الإغراء في واشنطن يتمثل في اختبار حسن نيات سورية، هل ستفعل المزيد لإلحاق الضرر بالجماعات المسلحة في العراق، وتساعد الرئيس عباس في فلسطين أم تحقق الاستقرار في لبنان؟ من شبه المؤكد أن هذا وحده لن ينجح. الولاياتالمتحدة ليست الطرف الوحيد الذي يبحث عن الأدلة. سورية أيضاً تريد أن ترى أدلة على أن المخاطر التي تتخذها أقل من المكاسب التي ستحققها. إن تقلّب أحوال المنطقة يدفعها إلى الحذر وإلى أن تتحوط لرهاناتها بانتظار قدر أكبر من الوضوح حول الاتجاه الذي ستتخذه المنطقة، وخصوصاً ما ستفعله واشنطن... التوصيات إلى الإدارة الأميركية والحكومة السورية 1- تصميم عملية للانخراط المتبادل تتمحور حول أهداف ملموسة وواقعية؛ وأبرز هذه الأهداف: أ- احتواء النفوذ الإيراني في ساحات جديدة مثل العراق واليمن (بدلاً من العمل على دق إسفين بين دمشقوطهران)؛ ب- العمل على تحقيق المصالحة الوطنية في العراق، وذلك من طريق الجمع بين النفوذ الأميركي على الحكومة العراقية وقدرة سورية على الوصول إلى الجماعات المسلحة وعناصر النظام السابق؛ ج- تشجيع الحكومة اللبنانية على إعادة التركيز على قضايا الإدارة الداخلية الرشيدة واحتواء مخاطر نشوب مواجهة جديدة بين حزب الله وإسرائيل؛ د- تضافر الجهود السورية لضبط «حماس» وإعادة توحيد غزة والضفة الغربية مع تبني الولاياتالمتحدة مقاربة أكثر ترحيباً بالمصالحة الداخلية الفلسطينية. إلى الإدارة الأميركية 1- إنشاء خط تواصل فعّال بواسطة ما يلي: أ- إرسال سفير إلى دمشق، يكون جزءاً من مهمته بناء صلة مباشرة مع الرئيس بشار الأسد. ب- تسمية مسؤول رفيع المستوى للانخراط في حوار استراتيجي يهدف إلى تبادل الرؤى حول المنطقة ووضع مخطط للعلاقات الثنائية المستقبلية. 2- إعادة ضبط الجهود الأميركية في ما يتعلق بعملية السلام، وذلك من خلال: أ- إظهار الاهتمام بالمسارين الفلسطيني والسوري على حد سواء. ب- العمل على تحسين العلاقات الإسرائيلية - التركية كخطوة باتجاه استئناف المفاوضات الإسرائيلية - السورية تحت رعاية أميركية – تركية مشتركة. ج- إيضاح أنه، وانسجاماً مع المفاوضات الإسرائيلية – السورية التي أجريت في الماضي، فإن أي اتفاق نهائي ينبغي أن ينص على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان، ووضع ترتيبات أمنية صارمة وإقامة علاقات ثنائية سلمية طبيعية. 3- إعادة إطلاق المباحثات الأمنية المتعلقة بالعراق، بدءاً بقضايا الحدود، سواء فوراً أو بعد الانتخابات البرلمانية في العراق. 4- تخفيف تطبيق العقوبات ضد سورية وذلك بتوحيد إجراءات الترخيص وتخفيف القيود على أساس من الاعتبارات الإنسانية والسلامة العامة. إلى الحكومة السورية 1- تسهيل وصول الديبلوماسيين الأميركيين للمسؤولين المعنيين لدى وصول السفير الجديد. 2- الاستفادة من آليات التعاون الأمني القائم مع بلدان مثل بريطانيا وفرنسا لإظهار نتائج ملموسة بانتظار الشروع في محادثات مباشرة مع الولاياتالمتحدة. 3- المبادرة إلى توضيح رؤيتها للمنطقة في المحادثات مع المسؤولين الأميركيين. 4- تعزيز العلاقات السورية - اللبنانية المتحسنة وذلك بترسيم الحدود وتقديم أي معلومات متوافرة حول «المفقودين» اللبنانيين. 5- تحديد المساهمات الإيجابية الفورية التي يمكن سورية أن تقوم بها في العراق وفلسطين ولبنان، وما تتوقعه في المقابل من الولاياتالمتحدة.