المشهد العام يدل على مستشفى، حيث اللوحة الضخمة التي تحتل أعلى الواجهة، وحيث الأردية البيضاء، ورائحة المطهّرات الفاقعة، لكن ثمّة شيئاً لا يستقيم مع هذا المشهد. فالدخول يتمّ عبر نفقٍ سردابيّ كابي الأنوار، وغرفات المرضى أشبه ما تكون بزنازين يُحجَز فيها الدّاخلون ويتلقَّوْن الإهانة والتّعنيف. يضجّ المُحتجَزون، وترتفع أصواتهم بأكثر من الهمهمة والدّقِ على الأبواب. تندلع شعلةُ التّدمير، ويمسّ لهيبها القبضات، تخضّ الأبواب، تحاول الخروج. الممرّض في ملابس عسكريّة، وبندقيّة سريعة الطلقات تَحُومُ فوّهتُها تتشهّى القنص. الأبواب تتداعى، والممرّض العسكري يطلق النّار على المُحتجَزين المندفعين للخروج، يتصاعد الذُّعر، والكتلة المندفعة تؤججها ضراوة النّار، تخترق الممرات إلى باحة المستشفى الخارجيّة. فيما يتساقط عددٌ منهم عائماً في لزوجة الدّم، يتعاظم مَنْ يلجأ إلى الأسوار يتسلّقها. الأجسام تختلط وتنعجن، وتختفي هيئة السّور، وتحلّ مكانها صورةٌ بشريّة مائجة في الحركة وفي الدّم. أحد المرضى ينفرز وحيداً، ويتّجه نحو سورٍ بعيد عن الباحة. يلحق به سربٌ من الأطفال المودعين منذ ميلادهم في المستشفى. المريض في مقدّمة الطابور، يعتلي السّور بخفّة وفي أعقابه الأطفال، الصّليات النّاريّة تخف، والطّابور يتجاوز إلى أسطح المنازل القريبة، يعبر من سطحٍ إلى سطح، محتفظاً بانتظامه وراء المريض. يبلغون بحيرةً ماؤها صافٍ رقراق، تحوطها مساحة عشبيّة شاسعة، يبغتهم وجودُ عجوز كَمَنْ يعترض الطريق. يُخرِج المريض من ملابسه مسدّساً، يصوّبه نحوه، لكن بدلاً من الرصاص، تخرج من المسدس خيوطٌ بنيّة غامقة، تتلوّى في الهواء، ثمّ تهبط أمام صدر العجوز الذي لا يهتم، ويمدُّ انتباهَ عينيه إلى نقطةٍ محدّدة من العشب. أحد الأطفال يهمس «إنّه يريد قطعة الألماس»! تحت الأقدام، طيّةَ الأرض المعشبة، تبدو قبضة ثلج صغيرة شفّافة، يلتقطها الطفل ويفركها بين يديه. هشيمُ الثّلج ينساب وتظهر ماسةٌ، يحرّكها الطفل فيما انبثاقاتٌ ضوئيّة تخطف عيون الطابور. يؤرجح الطفل القطعةَ، ثمّ بقوّةٍ يرميها في البحيرة، يشعّ الضوء غامراً يجلّل المشهد الذي يختفي منه العجوز والمريض. يخطو الطابور مبتعداً، يقوده الطفل ذو الماسة.