استغرب الجميع عدد الضحايا المرتفع لكارثة سيول جدة، عندما نشرت الصحف المحلية الصادرة الخميس قبل الماضي صور الفوتوغرافي الإيراني كارين فيروز، الذي كان في طريقه إلى مكة لتغطية مناسك الحج لمصلحة وكالة «رويترز». فيروز توقف لتصوير ما اعتبره حدثاً استثنائياً، وكانت النتيجة صوراً نموذجية تحقق مواصفات الصورة الصحافية، لتوثيق منظر مدينة غارقة في يوم ماطر كما وصفته إحدى الصحف: الصورة الأولى لرجل سعودي يرفع ثوبه بيده اليمنى، ويمشي في موقف السيارات المغمور بالمياه. الصورة الثانية لأربعة فتيان وقفوا على الرصيف ولم يستطيعوا عبور الشارع، أما الصورة الثالثة فلركاب يدفعون سيارة ليموزين تعطلت في الطريق. لم تساعد تلك الصور في استيعاب الحدث، وكان على الجميع الانتظار إلى اليوم التالي، الذي كان عيد الأضحى ولم ينتبه لمروره أحد، لمطالعة الصور المنشورة التي اقتربت من تجسيد الكارثة. التقط فوتوغرافيون من طائرات الدفاع المدني صوراً بانورامية نقلت آثار ما حدث، سيول جارفة من الشرق كانت تبحث عن مجرى، اقتحمت حي قويزة شرق جدة، وتحولت إلى فيضانات عارمة خلال دقائق، جرفت معها عشرات الضحايا ومئات السيارات، وانطلقت لتصطدم بحواجز الطريق السريع إلى مكة، ثم عبرت إلى الضفة الأخرى، ودمرت كل شيء كان في طريقها. سجلت الصور مشاهد مفزعة لطوابير السيارات التالفة والشاحنات المحطمة على جانبي الطريق السريع، وكانت لكل فوتوغرافي مقاربته الخاصة للموقف من زوايا متنوعة، راصداً فصول هذه المأساة بداية من المنازل المدمرة التي تروي حكايات ساكنيها، مجالس العزاء التي أقيمت بالجملة، قوارب فرق الإنقاذ التي مازالت تواصل بحثها عن المفقودين، نفق شارع الملك عبدالله الذي تحول إلى نهر من المياه الراكدة. لكن أكثر صورة باعثة للألم والحزن كانت صورة الطفلة الصغيرة التي جرفتها السيول وقد تغيّرت ملامحها بالكامل، أيضاً صورة الجثة الطافحة على مياه إحدى حفر الموت التي انتشلها أحد الغواصين، كانت كافية لإدراك عمق الفاجعة عندما تحولت جدة العروس، صاحبة القلب الكبير والفضاء المديني الرحب كما يعتقد عشاقها، إلى مريض في غرفة الإنعاش، ولم يستطع من تابع هذا المسلسل الفظيع حبس دموعه لهذا المصير الجنائزي. كانت هذه المصورات تمثل فعل احتجاج بلغة بصرية غير معتادة، وليست رد فعل استجابة لمتطلبات العمل الصحافي، وكان شعور المتلقي الصدمة ثم الغضب أمام الشهادات المصورة لأطلال مساكن الطبقة الفقيرة، الذين لم يجدوا مأوى غير المناطق المنخفضة التي تحولت إلى منطقة منكوبة، بعد أن كانت مفعمة بالحيوية. صور الخراب أصبحت محفورة في الذاكرة الجمعية، وتبرهن بدلالة واضحة كم كنا نعيش في فوضى عبثية قبل وصول الأربعاء الحزين، لم نشعر يوم العيد بخسارتنا التافهة لموعدنا مع الفرح، بل اكتشفنا في وقت متأخر فقدان الضمير لدى المفسدين، وانعدام الحس الإنساني لدى سماسرة التسونامي، أولئك اللصوص وتجار الجشع وهواة الحضور الإعلامي من مارسوا الانتهازية، وينطبق عليهم بيت الشعر الشهير للمتنبي «مصائب قوم عند قوم فوائد». يبقى الأمل في صورة الرجل الذي يحتضن حفيدته ويقبّل يدها الصغيرة، على رغم مشهد الدمار خلفه، ليذكرنا بقدرة الإنسان على استئناف حياته والمضي قدماً بفضل التعاطف والتضامن والتطوع. وهذا ما يفرضه الواجب الإنساني في هذا التوقيت مع الناجين من الكارثة.