بعد قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز تشكيل لجنة للتحقيق في كارثة مدينة جدة، صدرت مطالبات بضرورة التشهير بالمسؤولين عن الكارثة. وطغى جدل في الصحف، والمجالس، والمنتديات حول عقوبة التشهير التي لم يسبق تطبيقها في السعودية، سوى على مقترفي الجرائم الصغيرة. لكن رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، عضو لجنة التحقيق، صالح سعود العلي، صد تلك المطالبات بقوله ان «التشهير عقوبة متعدية لا تقتصر على الجاني وحده، وإنما تتعداه الى أسرته وأولاده وبناته وقد تؤثر في جوانب أخرى». المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن العبيكان، كان له رأي مختلف، وهو قال: «التشهير في مثل هذه الحالات مطلب ملحّ، لأن من ساهم في الكارثة ارتكب ذنباً مركّباً، بإهدار المال العام وتدمير المنشآت وإزهاق الأرواح». الذي فرض قضية التشهير هو سرية جلسات اللجنة، ولو عَقَدت جلسات علنية على غرار لجان التحقيق في معظم دول العالم، لما كانت هناك حاجة لطرح قضية التشهير، وخوض جدل حول شرعيتها، وربطها بالغيبة، ناهيك عن ان التوقف عند جوازها أو عدم جوازها، حين أصبح الأمر يتعلق بموظفين كبار، وعدم الاكتراث بتطبيقها على أصحاب الاختلاسات الصغيرة، ومرتكبي جرائم تزوير الأوراق الرسمية، قضية تحتاج معاودة نظر، فحقوق البشر أمام القضاء متساوية. لا شك في ان تحويل جلسات لجنة التحقيق من السرية الى العلنية سيضرب عصفورين بحجر واحد، إذ سيتيح متابعة أعمال اللجنة بطريقة شفافة، ويمنع غياب الاهتمام بها، ويجعلها حاضرة في وسائل الإعلام، ويفرض سلطة المجتمع على اعضائها، ويحميها من خمول البيروقراطية واعتباراتها ومحسوبياتها. كما أن علنية الجلسات ستوقف الجدل المفتعل حول قضية التشهير، وتخلي ساحة الأبرياء، وتحقق أهداف التشهير في حق المذنب بطريقة قانونية. فعلنية جلسات لجنة التحقيق هي ما ينقص هذه اللجنة التي اشارت ديباجتها الى جدية الحكومة في ملاحقة ومعاقبة المتسببين في الكارثة المفزعة التي حلّت بمدينة جدة، ولكن، رغم هذه الجدية، يثير استمرار إدارة أعمال اللجنة بسرية، مخاوف على سير عملها. هل تتحول كارثة جدة الى مناسبة لرفع غطاء السرية عن لجان التحقيق مع العابثين بالمال العام؟