أتمنى أن تكون عندي ممحاة لأمحو نفسي من هذا العالم ... أمحو نفسي من المشاهد اليومية. الخطوة الأولى لأمنيتي هي أن أحصل على ممحاة، والخطوة الثانية هي البدء بالمحو. ولكن لأنه يلزم وجود جزء من جسدي لمحو باقي الأجزاء من الجسد نفسه، أقرر أن أُبقي على يدي نشيطتين حتى نهاية جولة المحو لأدرك فجأة أني أحتاج لعقلي أيضاً. أما الأصابع واليدان فهي مستعدة للبدء أما عقلي فليس كذلك. وأتسائل: ما الذي سيحدث إن أتممت المهمة كاملة، ومن الذي سيتخلص مما بقي مني بعد ذلك؟ جمل من النص المصاحب لعمل الفيديو الخاص بالفنان اللبناني باسكال هاشم الذي عرض أعماله في غاليري «تاون هاوس» في القاهرة في إطار مشروع «فنان مقيم» الذي ترعاه المؤسسة الثقافية السويسرية «بروهلفتسيا» تحت عنوان «أين أنت». ويضم المعرض أعمالاً لفنانين آخرين من مصر ولبنان والأردن وسويسرا يشاركون بأعمال في التصوير والفيديو والتجهيز في الفراغ. فمن مصر قدم هيثم نوار عمل فيديو بين القاهرة ومدينة زيورخ السويسرية مصوراً نمطين لحالة إنسانية متشابهة في المدينتين من خلال وسيلة مواصلات عامة يستعرض عبرها الاختلافات والتباينات بين البشر والأماكن. ويقول نوار: «من خلال العمل أصحب المشاهد في رحلة يومية عبر مدينتين في الأوتوبيس رقم 31 في زيورخ، ونظيره رقم 49 في القاهرة، حيث تكشف لنا الكاميرا التنوع الغني لوجوه ركاب الأوتوبيس الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية متعددة، وتبدأ الرحلة من قلب المدينة ووسط الزحام في ميدان العتبة إلى شاطئ النيل وحي الزمالك حيث تعيش الطبقات العليا والأجانب الأغنياء». وعلى الجانب الآخر، وعبر عيني فنان أجنبي مصري يعيش في زيورخ نشاهد الجوهر الثقافي والمالي لسويسرا المتعددة الثقافات، حيث تسير الرحلة من منطقة العمال والأجانب الفوضوية في ضاحية «شليرت» إلى حي «هجيباخ بلاتز» الغني حيث نستطيع أن نتعرف على المدينة بتنوعاتها العرقية والحضارية. ومن مصر أيضاً قدم الفنان هاني راشد مجموعة من اللوحات المصورة استخدم فيها طريقة «الكولاج»، ويلقي الضوء من خلالها كما يقول على بعض المواقف النموذجية للمجتمع المعاصر بما في ذلك صور أحداث سياسية ودينية وحروب ومذابح وكذلك لقطات رياضية وأحداث ترفيهية، حيث يظهر سياسيون معروفون أو أفراد مجهولون في محيطات غريبة أشبه بأجواء المسرح. ومن الأردن عرضت الفنانة آلاء يونس عملها الذي تستعرض من خلاله حياة امرأة بكل ما تتضمنه تلك الحياة من تفاصيل صغيرة ، وإخفاقات وأحلام وخيالات وأوهام أيضاً. زياد بيطار ونائلة دباجي من لبنان قدما عملاً مشتركاً يجمع بين الصورة الفوتوغرافية والفيديو تحت عنوان «عضو آخر» حول مدى ما تحمله الرموز من تأثيرات وتفسيرات مختلفة، حيث صمما علماً مصطنعاً يمثل «اتحاد غرب آسيا» الوهمي، واعتمدا في تصميم العلم على توزيعات الألوان المستخدمة تاريخياً في أعلام الشرق الأوسط . ويتمحور المشروع حول إمكانية استخدام هذا العلم، وكيف يمكنه أن ينتج قراءات مختلفة في مساحة عامة موجودة بالفعل . وتحت عنوان «كارين تقف هنا» يقدم جيدو رايشلين وزوجته كارين فيلشلى مجموعة من الصور الفوتوغرافية لأماكن في القاهرة قد لا تسترعي الانتباه حال رؤيتها إلا أنها تعبر عن ثقافة بصرية خاصة بالمكان. ومن سويسرا أيضاً عرض عمل فيديو مدته 30 دقيقة من إخراج أنغريد فيلدي وماوريسو ججاردو ومساهمة آخرين مجموعة من المقابلات الشخصية مع عمال آلات العرض السينمائي للإجابة على تساؤلات من نوع «إذا أمكنك أن تصنع فيلماً أي نوع من الأفلام تختار؟»، «لماذا تظهر معظم الممثلات من دون حجاب في الأفلام المصرية على رغم انتشاره؟». القاهرة خالية من السيارات والبشر، هكذا بدت العاصمة المصرية في عمل الفيديو الذي قدمته الفنانة السويسرية مارغوت تزاني، مستخدمة تقنية تصوير متقدمة لمشهد في قلب القاهرة، تظهر المدينة خلاله في حالة شديدة السوريالية، وتبدو الشوارع بلا سيارات وبلا أي أثر للبشر. «أين أنت»، سؤال يستخدمه الناس في حياتهم اليومية حين يبحثون عن شخص فيسألون عن مكانه، لكنه في المعرض يفتح باباً لحوار جدلي حول أبعاد وجودية وسياسة وجمالية. ولا تقتصر رؤية الفنانين المشاركين في العرض على خلق أبعاد جديدة أشمل من مجرد النظرة السياحية عند مشاهدة تفاصيل الحياة اليومية والتأمل في القضايا الاجتماعية والسياسية، بل يمكن النظر إليهم على أنهم وسطاء مبدعين في عالم من الفوضى والتخبط.