أراد أن يهزم السيل. صال وجال معه 14 مرة، كان خلالها البطل الذي يواجه العدو بقوة العزيمة والإيمان أمام هتاف الجماهير وتكبيراتها في ختام كل جولة ينتصر فيها فلم يكن أمام خصمه الجبار إلا وضع النهاية والانتقام الذي أودى بحياة البطل، تاركاً وراءه زوجته وبناته الثلاث زبيدة ومديحة وجويرية. فرمان علي عمر خان الشهيد الباكستاني الذي كان على موعد مع القدر استشهد بعد أن كتبت على يديه الحياة لأعداد من الغارقين في سيول جدة، حتى أن آخر الناجين لم يفصل بينه وبين البطل سوى مترين فقط، كانت الفاصلة بعد أن انهارت قواه وارتطمت قدمه بجسم صلب ليسقط بعدها وتغمره المياه فلم يجد من يملك شجاعته ليواجه قوة تلك السيول وينقذه. كانت آخر جملة ذكرها لإمام المسجد المجاور لمنزله «فيه ناس كثير يموت عند مستوصف» وغادر لمساعدة المحتجزين داخل المياه. إمام المسجد محمد عابدين علي قال ل «الحياة» إن الشهيد الذي عرف في الحي منذ سنوات بالشهامة والطيبة كان في يوم المطر على غير العادة ذهب وعاد إلى الطريق العام أكثر من مرة وكان هناك قوة إلهية غريبة لمحتها قبل أن يغادر أثناء حمله سطلين من المياه دفعة واحدة ذات عبوات كبيرة لخفض منسوب المياه المرتفع حتى لا تغمر المياه المسجد، إلا أنني لم أرغب أن أشغله عن ممارسة عمله في المحل التجاري المتواضع الذي يعمل فيه وترك أبوابه مفتوحة فأوقفته عن مواصلة حمل المياه بالقوة. وأضاف: «لم يهدأ له بال بعد أن بدأت السيول تجرف الأشخاص والسيارات في طريق مكة فترك محله مفتوحاًً وذهب ليقوم بأعمال الإنقاذ بعد أن قام بتجميع عدد من الحبال أوصلها ببعضها البعض وربطها في أنابيب صرف صحي قبل أن يربطها في جسده للدخول إلى المياه وإخراج المحتجزين ومن جرفتهم السيول». وأكد إمام المسجد أن الشهيد كان يتمتع بشهامة مع كل من عرفه حتى إنه يقوم بإعطاء من يطلب النقود للحاجة من دخله اليومي كان آخرها قيامه بإقراض شخص من خارج الحي في يوم وفاته 42 ريالاً أعادها بعد أن توفي فرمان لتسليمها لأحد ذويه. المواطن عبدالله الكثيري كتبت له حياة جديدة بعد إنقاذه من موت محقق على يد الشهيد الباكستاني. يقول ل «الحياة» إن السيول جرفته وسيارته من منطقة أم السلم إلى مسافة بعيدة في طريق مكة وتمكن بعد ارتفاع منسوب المياه من الصعود إلى سقف سيارته وظل حوالي ساعة ونصف حتى تمكن فرمان علي من الوصول إليه مستخدماً حبلاً طويلاً وحمله إلى خارج منطقة الخطر. إصابة الكثيري في قدمه نتيجة زجاجة اخترقتها استدعت نقله إلى أقرب مستوصف وبعد إجراء الغرز وعودته لمشاهدة ماحدث لسيارته وجد أن الشهيد نفسه قد أخرجها إلى جانب الطريق، مطالباً بتكريم أسرة الشهيد الذي سيظل عمله عالقاً في ذهنه طوال حياته. أما المقيم المصري محمود حنفي محمود أحد الناجين على يد الشهيد فرمان، فيقول إنه كان ينتظر الموت في أي لحظة بعد أن فقد القدرة على السيطرة والخروج نتيجة قوة السيل، «إلا أن فرمان شاهدني من أمام البناية ولم يتردد في الدخول إلى المياه واستخدام لوح خشبي طويل مده لي لأمسك به، ومن ثم سحبني حتى خرجت من وسط المياه التي كانت مرتفعة جداً، وفوجئت بخبر وفاته بعد أن استيقظت من النوم نتيجة ما أصابني من إعياء وتعب داخل المياه». المحاسب السيد عبدالحي علام كان شاهد عيان على بطولة فرمان. التقته «الحياة» فقال: «أجبرتني المياه وقوة السيل على البقاء داخل المؤسسة التي أعمل فيها، وكنت أشاهد الشهيد الباكستاني وقد ربط حبلاً في جسده، وأحد الأنابيب، يدخل ويخرج حاملاً في كل مرة شخصاً على ظهره. وأضاف: «شاهدت الشهيد وهو ينقذ نحو أربعة أشخاص، ومن ثم وقع أمامي داخل المياه وغمرته السيول، حتى سحبناه بمساعدة 10 أشخاص بصعوبة بالحبل الذي كان مربوطاً في جسده، بسبب قوة السيول. حمادة: أعطاني مقتنياته وذهب لإنقاذ الغارقين أكد المقيم حمادة عبدالله أحد جيران «فرمان» أنه كان يشعر بأن فرمان لن يعود، بعد أن تسلم منه قبل وفاته بنحو 45 دقيقة حافظة النقود والمفاتيح وجهاز الجوال. يقول عبدالله: «قال لي فرمان أنا رايح أجيب ناس غارقين، وحاولت أن أمنعه إلا أنني ترددت حتى لا أحرمه أجر هذا العمل الإنساني، رأيته يجمع عدداً من الحبال ويربطها ببعضها البعض، يذهب ويجيء بهمة لا تكل، مر من أمامي شخص ناج، ثم ثان وثالث، كلهم يقول أنقذنا الباكستاني فرمان، حتى جاء شخص يخبرنا عن وفاته في السيل، فذهبنا على الفور وقمنا بسحب الشهيد، وحاولنا أن نجري لها تنفساً صناعياً من دون جدوى، فنقلناه إلى المستشفى، فأخبرنا بوفاته. ولم يخف الوافد محمد عادل حزنه على فارمان الذي تمتع بالطيبة والبشاشة في وجه كل من يعرفه أو يقابله، مشيراً إلى أن الشهيد أعطاه 952 ريالاً ليتفرغ لإنقاذ الغارقين في السيول، إلا أن القدر كان أقوى من شجاعة وقوة الشهيد الذي لقي حتفه بعد أن أنقذ عدداً كبيراً من الأرواح. أسرة فرمان تشكر «&» أعربت أسرة الشهيد فرمان علي عمر خان من خلال رسالة إلكترونية تلقتها صحيفة «الحياة» من شقيق زوجة الشهيد عن شكرها وتقديرها لما وجده ذووه من اهتمام من قبل الصحيفة، وما قدم من تسهيلات لنقل جثمانه أمس إلى باكستان، عبر مخاطبة مدير الدفاع المدني في محافظة جدة اللواء محمد عبدالرحمن الغامدي، ومدير جوازات منطقة مكةالمكرمة العميد سالم الزهراني، وتجاوبهم في تقديم دعم كامل وفوري حتى في خارج أوقات الدوام الرسمي حتى إنهاء إجراءات الشهادة والخروج النهائي.