تعهد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بإجراء تغيير في الخطط والاستراتيجيات لمواجهة التحديات الأمنية، متعهداً بإجراء «تغيير في مواقع عدد من المسؤولين الأمنيين»، محذراً من «سقوط الهيكل» فوق رؤوس الجميع واستخدام الوضع الأمني في الدعاية الانتخابية. ويتوقع ان يستجوب البرلمان اليوم المالكي والوزراء الأمنيين بخصوص التفجيرات التي ضربت بغداد أول من أمس وأوقعت مئات القتلى والجرحى، فيما واصل سياسيون وبرلمانيون انتقاداتهم للأجهزة الأمنية لفشلها في منع الاعتدءاءات واتهامها بالعجز عن مواجهة التحديات الأمنية في ظل دعوات الى «محاسبة المقصرين». وهدد وزير الداخلية جواد البولاني ب «كشف الحقائق في جلسة برلمانية علنية» فيما لمح ضابط عراقي رفيع الى تورط سورية والسعودية بالتفجيرات الدامية. ووصف المالكي في كلمة متلفزة أمس تفجيرات الثلثاء بأنها «تحد كبير تقف خلفه إرادات شريرة مدعومة ولها خبرة». وأضاف ان هذه الجهات «باتت واضحة. لا نحتاج اليوم الى مزيد من التحقيق والتدقيق لمعرفة نوايا هؤلاء الأشرار». واعتبر ان «الهدف من هذه الجرائم هو اشاعة الفوضى وإعادة اجواء الطائفية مرة اخرى وزعزعة ثقة الشعب بإرادته وحكومته وكل ما حققه بنضاله وجهاده وصبره». وأكد ان «هذه الجريمة ستشهد مزيداً من تغيير ومراجعة الخطط والاستراتيجيات الأمنية، بل وحتى تغيير المواقع بالنسبة الى المسؤولين لتحديث اساليب المواجهة بما يتناسب والتحدي الكبير والمتطور». وحذر رئيس الوزراء من «سقوط الهيكل» فوق رؤوس الجميع واستخدام الوضع الأمني في الدعاية الانتخابية. وأضاف «يجب ان تبقى الدعاية الانتخابية محترمة لا تمس المحرمات والخطوط الحمراء». ودعا الى «عدم المزايدة بالدماء والمتاجرة بها وأن لا تكون هذه الفواجع فرصة لإثارة الخلافات تحت عناوين سياسية او دعايات انتخابية، لأن هذا الهيكل اذا سقط فيسقط على الجميع ولن تستفيد منها كتلة او قائمة انتخابية». ولفت الى ان «الجميع سيكون تحت طائلة المسؤولية الشرعية والوطنية عن كل ما يحصل في هذا البلد». وطالب عدد من النواب بمثول المالكي والوزراء الأمنيين وقادة عسكريين امام البرلمان لاستجوابهم بشبهة التقصير في حماية المواطنين اثر انفجار خمس سيارات مفخخة يقود اربعة منها انتحاريون قبل ظهر الثلثاء في مناطق متفرقة من بغداد. وكشفت مصادر نيابية مطلعة ان رئاسة البرلمان تلقت موافقة مبدئية على حضور المالكي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، والوزراء الأمنيين وقادة من عمليات بغداد، جلسة خاصة طالب بها نواب لمناقشة الوضع الأمني. وتوقعت حضور المالكي ووزراء الداخلية والدفاع والأمن الوطني إضافة الى قائد عمليات بغداد الفريق الركن عبود قنبر ورئيس جهاز المخابرات بالوكالة اللواء زهير الغرباوي. وقال المالكي: «ينبغي ان يكون مستوى المواجهة، كما كنا في المرحلة السابقة حينما اصطف الجميع، عشائر ومؤسسات وأحزاباً ومنظمات مجتمع مدني وعلماء دين، نحتاج اليوم ايضاً الى ان يصطف الجميع مع الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة الأمنية حتى تكتمل عملية ملاحقة هؤلاء الأشرار». ولفت المالكي الى ان «الأعداء اصطفوا في جبهة واحدة وتناسوا حتى الخلافات التي بينهم. وعلينا ان نصطف بجبهة واحدة ايضاً (...) عدونا مدرب ومؤهل ومدعوم ولديه خبرات ويطور خططه وأساليبه ونحن من جانبنا ايضاً نطور من خططنا في شكل مستمر». ودعا الى «الحذر الشديد من الفرقة بين الشعب وقواه السياسية». وطالب ب «المزيد من التلاحم لمواجهة التحدي الكبير الذي تقف خلفه ارادات شريرة مدعومة لديها خبرة». وطالب المالكي مجلس القضاء الأعلى وهيئة رئاسة الجمهورية «بالمصادقة على احكام الإعدام لتنفيذها بحق المجرمين لتكون رادعاً أمام المجرمين». كما ناشد «المجتمع الدولي ودول الجوار التي دانت هذه العمليات بأن تتحول هذه الإدانة الى مواقف حقيقية (...) لتضييق الخناق على الإرهابيين من اي جهة جاؤوا». ودعا الى محاكمة هؤلاء «كجرائم ضد الإنسانية وملاحفة كل من يقف خلفها ويدعمها». في غضون ذلك، طالب وزير الداخلية بأن «يكون الاستجواب البرلماني علنياً ليكشف حقائق الوضع الأمني إلى العراقيين» وأشار البولاني إلى ان «أصل المشكلة في العراق سياسي، وليس أمنياً» رافضاً الاتهامات باختراق «بعثيين» لتشكيلات وزارته، كما كشف «تقارير صادرة من الداخلية كانت قد أبلغت قيادة عمليات بغداد المسؤولة عن أمن العاصمة بوجود معلومات عن قرب تنفيذ تفجيرات جديدة». ولفت الى ان «المسؤولية الأمنية في بغداد تتولاها قيادة عمليات بغداد التي منح القائد العام للقوات المسلحة (نوري المالكي) قائدها (الفريق عبود قنبر) صلاحيات اوسع من تلك التي يتمتع بها وزيرا الداخلية والدفاع». وكان وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات حسين كمال كشف بعد اعتداءات الثلثاء إن وزارته كانت زودت الأجهزة الأمنية بمعلومات حول وجود خطط لتفجير سيارات مفخخة في العاصمة. في غضون ذلك، لمح مدير عام مكافحة المتفجرات اللواء جهاد الجابري الى تورط سورية والسعودية وغيرها من دول الجوار في التفجيرات. وقال الجابري «انها مفرقعات نظامية اتت من الخارج، والبعثيون الذين عملوها بالتعاون مع القاعدة وساعدتهم دولة مجاورة، وهذه تحتاج الى اموال ودعم كبير جداً من سورية او السعودية او غيرهما». وأضاف ان «الدولة غير غافلة عن هذا الموضوع (...) أقل سيارة كانت محملة 850 كلغ، لا يمكن تصنيعها في بغداد، هذا مفرقع نظامي جاء من الخارج». وتابع الجابري «ان تفخيخ سيارة صغيرة يحتاج الى مئة الف دولار، لكن السيارات المفخخة امس كانت حافلات نقل صغيرة، والمفرقعات باهظة الثمن. وقوة السي فور الانفجارية اكثر من الديناميت من نوع تي ان تي». ودافع الجابري بشدة عن جهاز كشف المتفجرات البريطاني الصنع، واتهم «آمري الوحدات العسكرية بعدم استخدام الأشخاص المؤهلين في حواجز التفتيش (...) لم يستخدموا ثمانين في المئة من اربعة آلاف تم تدريبهم» لهذا الغرض. وقام بتجربة امام الصحافيين لتأكيد كفاءة الجهاز، فوضع كمية من المتفجرات الى جانب مواد كيماوية اخرى، فأصدر الجهاز اشارات تدل على وجود المتفجرات وليس المواد الأخرى. وكان نواب اعلنوا أول من أمس ان الجهاز يعطي اشارات على مواد غذائية مثل المخللات والعطور وغيرها. وقال الجابري «اثبت الجهاز نجاحه، لكن عندما يستخدم بطريقة صحيحة، فهو قادر على كشف المتفجرات وليس المواد الكيماوية او الحبوب او معجون الأسنان او الشامبو، او المخللات». وشرح كيفية استخدام الجهاز الذي يعتمد على حركة الإنسان، قائلاً انه «لا يعمل من دون ارتداء قفازات خاصة خلال استخدامه بسبب اختلال تردادته». يشار الى ان جميع المستخدمين للجهاز في نقاط التفتيش لا يضعون القفازات اطلاقاً. ودعا الجابري الى «محاسبة آمري الوحدات لاستخدامهم غير المتدربين «يجب محاسبة الجميع حتى قائد الفرقة والمفروض سجنهم (...) هكذا يجب ان يكون الحساب». وكانت كتلة الصدر البرلمانية اعتبرت قضية اجهزة الكشف عن المتفجرات غير الصالحة للعمل «فضيحة» وطالبت في التحقيق في خلفياتها. الى ذلك، دعا القيادي في «المجلس الأعلى الإسلامي» الشيخ همام حمودي المجلس السياسي للأمن الوطني، الذي يتكون من قادة الكتل الى ان «يكون له موقف مهم لتحديد الخطأ والخلل ومحاسبة المقصرين». وأضاف في تصريح الى «الحياة» ان «الهدف من التفجيرات الأخيرة ليس اثارة النعرات الطائفية وإنما افشال البناء الدستوري والدولة والسيادة». وتابع «نحن الآن في حاجة الى موقف وطني بعيداً من تخندق سلطة مقابل اخرى» ولفت الى ان «الأزمة الأمنية لا تحل من قبل وزارتي الداخلية والدفاع، وإنما جميع الأطراف مسؤولة عن وضع خطة لمعالجة الخلل ومحاسبة المقصرين»، مشيراً الى ان «تقدم العراق وبناء مؤسساته ونجاح العملية الدستورية كان وراء مخططات الأعداء». الى ذلك، ذكر الناطق باسم خطة أمن بغداد اللواء قاسم عطا ان حصيلة تفجيرات بغداد الثلثاء بلغت 77 قتيلاً. وكانت مصادر أمنية وطبية أعلنت أول من أمس مقتل 127 وإصابة 450 في 5 تفجيرات بسيارات مفخخة بينها 4 يقودها انتحاريون في أنحاء مختلفة في بغداد. وأوضح الموسوي ان وزير الصحة أصدر بياناً الأربعاء أكد فيه مقتل 77 شخصاً وإصابة المئات.