الشريط الوثائقي الألماني الذي تبثه قناة «آرتي» الثقافية الفرنسية/ الألمانية، على شاشتها هذا المساء، يجب أن يثير اهتمام المشاهدين العرب والفلسطينيين خصوصاً، قبل أي كان. وقد يكون مفيداً أن يعاد بثه ذات يوم قريب عبر شاشة صغيرة عربية ويثار من حوله نقاش لا شك في أن الوقت حان لفتحه. ومن الواضح أن هذا الفيلم ينطبق عليه المثل القائل «المكتوب يُقرأ من عنوانه». ذلك أن عنوان الفيلم هو «الصليب المعقوف والعمامة»، ما يعني حتماً أنه يتناول واحدة من المسائل الأكثر غموضاً وإرباكاً، في مسرى التاريخ العربي في النصف الأول من القرن العشرين: مسألة العلاقات بين بعض غلاة القوميين والثوار العرب، وألمانيا النازية الهتلرية. صحيح أن الجديد حول هذا الموضوع ليس كثيراً. ومن المؤكد أن الفيلم لا يأتي بما هو جديد أو مفاجئ في نطاق العلاقات والأحداث التي يصورها. لكن الجديد فيه هو وجهة النظر. ذلك أن مسألة العلاقة بين الشرق الأوسط العربي وبرلين، ظل تناولها خاضعاً للعبة الأبيض والأسود. فإما الإدانة الشاملة واعتبار بعض الزعامات العربية التي تحالفت مع هتلر (مثل شكيب ارسلان والحاج أمين الحسيني والشريف زيد ورشيد عالي الكيلاني وأشباههم) «عملاء للنازية»، وإما تقريظ مطلق يصل الى حدود تبجيل هتلر بعد كل شيء - وطبعاً نتحدث هنا عن زعامات ليست، في الأصل نازية أو فاشية، لا عن أحزاب ومجموعات نشأت في بعض المناطق العربية سالكة درب النازيين حرفياً -. حلفاء آخرون للنازية هذا الفيلم، وهو ألماني أنتج عام 2009، ويبث عبر «آرتي» للمرة الأولى، تكمن أهميته في أنه يطرح المسألة من وجهة نظر تاريخية متوازنة الى حد كبير - أي غير خاضعة لمعايير الأيديولوجيا - فهو، إن كان يتحدث في شكل أساس عن الحاج أمين الحسيني، ليرسم صورة لموضوعه وعلاقته ببرلين، فقط من خلال مسار نضاله، فإنه - أي الفيلم - يوضح تماماً خلفية تلك العلاقة بكون انكلترا كانت العدو المشترك للألمان وللقوميين العرب - وعلى رأسهم المفتي الحسيني -، وبالتالي فإن هذا الأخير إنما حاول استخدام ألمانيا لمحاربة لندن، لا أكثر ولا أقل. أي من دون أن يجد هو، في ذلك الحين، سبباً يجعله نازياً. والفيلم يركز أصلاً على أن خيارات الحسيني، إنما كانت تاريخية حيث يصور كيف أن المفتي ناضل قبل ذلك ضد العثمانيين واحتلالهم المناطق العربية، مستعيناً بالإنكليز، مقدماً لهؤلاء كل أنواع العون. لكن الإنكليز - كما يؤكد الفيلم - كافأوه «بزرع» الوطن القومي اليهودي - بدهاء وغدر، في قلب الوطن الذي كان يفترض أن يصبح فلسطين وجزءاً من المملكة العربية. من هنا، كان طبيعياً - ودائماً بحسب الفيلم - للمفتي أن يستعين في نضاله، السياسي ثم العسكري، ضد الإنكليز، بأي أعداء لهم يفتحون أمامه أبواب العون... فيلم «الصليب المعقوف والعمامة» بتركيزه على هذه الناحية، يقف على الضد تماماً من كل تلك الأعمال التاريخية، التي تكتمت على الخلفيات لتصور المفتي وارسلان وغيرهما كحلفاء للنازية... واللافت أن المتكتمين على هذا كانوا هم أنفسهم الذين آثروا دائماً، السكوت عن حلفاء آخرين للنازيين في المنطقة هم، طبعاً، اليمينيون الصهاينة، الذين، لمحاربة الإنكليز أيضاً إنما في خضم معركتهم مع اليسار الصهيوني، لجأوا الى شتى أنواع التعاون مع النازيين... غير أن هذه حكاية أخرى بالطبع. * «آرتي»، 18.48 بتوقيت غرينتش.