الديموقراطية المباشرة، مثل الديموقراطية السويسرية، تنهض على سلطة نقيض تقيد صلاحيات النواب المنتخبين وسلطات الدولة. ولم يتوقع من الديموقراطية المباشرة هذه أن تكون مكب انفعالات يدعو فيها انتهازيون ميسورون وماكرون «الشعب» الى الاستسلام امام الغوغاء والانقياد لمخاوفها وهواجسها. ولكن ما سبل تحصين الديموقراطية السويسرية، وأبرز فضائلها السياسية هي استفتاء المواطنين المتواتر، من الانزلاق الى أهواء الافراد الغريزية، والمفرطة في الانفعال؟ والحق ان هذه مسألة قديمة أدرك الآباء المؤسسون ما يترتب عليها. فنبّهوا، في مناسبات كثيرة، الى مخاطر ترك انتخاب المجالس الفيديرالية الى أمزجة الرأي العام المتقلبة والمضطربة. وفي الانظمة السياسية الديموقراطية، كان شاغل الحكماء درء مزاودة الغوغاء على الديموقراطية، وتجاوز مبادئها وأصولها وضوابطها. وفي سويسرا الاحد الماضي، رجحت كفة الغوغاء على كفة الديموقراطية وحكمائها. واستهدف الغوغاء بناء المآذن لاخفاء عيوب مطالبهم، وعفونتها. فالديموقراطية المباشرة تتولى رعاية الحق في معارضة مشروع واضح ومحدد أو الدعوة الى التغيير. ولكن اساءة استخدام حرية التعبير في تناول قضايا المجتمع، على ما حصل في عند اقتراح سجن المنحرفين جنسياً مدى الحياة أو مناقشة الهوية الدينية، تبعث أهواء خطيرة وانفعالات لا يسع المنطق مخاطبتها والسيطرة عليها. والسويسريون مدعوون الى ابقاء أهواء المجتمع هذه في منأى من السياسة وشؤونها وموازناتها الدقيقة والحكيمة، على ما يفترض. * محرر، «لو تان» السويسرية، 1/12/2009، إعداد منال نحاس