تفاجأ مواطنون بعد كارثة أمطار محافظة جدة بكتابة عبارة «هذا من فضل ربي» على بنايات وممتلكات مسؤولين ورجال أعمال في المحافظة، وبعد السؤال عن سر هذه العبارة، أجاب أحدهم لأن لجنة تقصي الحقائق ومكافحة الفساد في الطريق للتحقيق معهم! هذه إحدى قصص التندر التي يتداولها «الجداويون» على هواتفهم النقالة وتتناقلها منتديات الإنترنت من باب «شر البلية ما يضحك»، وليس غريباً أن تنتشر النكت في مثل هذه الظروف من أجل الخروج من الأزمات النفسية التي أحاطت بالكثيرين خلال الأيام الماضية. ويرى الاستشاري النفسي الدكتور خالد باحاذق في حديث إلى «الحياة» أن ابتداع النكت واختراع الطرائف في مثل هذه الأزمات من الأمور الواردة والطبيعية من أجل الهروب من الواقع الأليم الذي يعيشونه، وهي ترجمة للمعاناة التي في نفوس كل فرد لحقت به الكارثة. واعتبر أن ممارسة الضحك وتدوير النكت من الخيارات الصحية التي تحمي من أمراض القلق وتقيهم من فخ «الاكتئاب»، مضيفاً أن هؤلاء المنكوبين بحاجة إلى جلسات نفسية لمساعدتهم، ولا يجب التعويل على مبدأ «عدم الحزن» وهو القناع الذي وصفه بغير المجدي في ظروف الكوارث. ويقول: «إن هناك مجموعة من الدعاة وطلبة العلم ممن يصدرون بيانات على مواقع الإنترنت يؤكدون في رسائلهم أن ما أصاب مدينة جدة وأهلها ما هو إلا ابتلاء من الله وعقوبة على ذنوبهم، وهو الأمر الذي يترك أثراً سلبياً على حياة الأهالي نفسياً واجتماعياً». ويشير باحاذق إلى أن ما حدث في سيول جدة هو قضاء الله وقدره، لكن في الوقت ذاته التحرك لمعاقبة المقصرين والمهملين في أداء مهام عملهم من شأنه أن يترك أثراً نفسياً إيجابياً لدى المتضررين، وهو ما حصل بعد تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ولفت المحلل النفسي والمعالج السلوكي الدكتور هاني الغامدي إلى أن النكات هي ترجمة للمشاعر من خلال الواقع المشاهد على كافة أشكاله، وذلك للتخفيف من ثقل الأزمات النفسية والاجتماعية التي تعترض أصحاب هذه النكات، وقد تكون ألفاظها هزلية وأخرى تأخذ الطابع الجدي سواء ضد أشخاص أو جهات. ويضيف في حديث إلى «الحياة» أن صناعة اللفظ الهزلي وتحويله إلى موقف مضحك هي من المظاهر الصحية التي تنعكس إيجاباً على حال المتضررين من سيول جدة على سبيل المثال، وهي من الأفكار غير الضارة كونها أحد جدران الحماية للتصدي لظروف الحياة القاسية التي تواجه البعض. من جهتهم، يرى سعوديون ومقيمون تحدثوا إلى «الحياة» أن رسائل النكت المنتشرة الآن سواء في الهواتف النقالة أو منتديات الإنترنت هي حلول موقتة للتخفيف من الصدمات النفسية لدى المتضررين، وهي إحدى السبل الخفيفة والسريعة التأثير إيجابياً على الحال الصحي للآخرين. وقالوا: «إن المواطنين الفقراء ومتوسطي الدخل هم الأكثر التصاقا بالنكت وابتكارها، وهو ما يتضح من خلال تداول النكت لدى سكان المناطق المنكوبة في جنوب وشرق المحافظة للهروب من حالات القلق والفزع النفسي لديهم».