لعلّ تناول محنة المهاجرين غير الشرعيين أو «السرّيين» ومعاناتهم، لم يعد سبقاً، على صعيد إعداد الشرائط الوثائقيّة أو البرامج التلفزيونيّة المهتمة بهذا الشأن. لكن سخونة الملفّ، بأبعاده الإنسانيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والقانونيّة، وحتّى المعرفيّة، يتيح المجال واسعاً أمام فرادة وتمايز وجودة الرصد والطرح والمعالجة أمام صنَّاع الشرائط الوثائقيّة. ولا شك في أن تخصيص احدى حلقات برنامج «تحت المجهر» الذي تعرضه قناة «الجزيرة» لتسليط الضوء على محنة المهاجرين غير الشرعيين، بمقدار ما أماط النقاب عن تفاصيل عذاباتهم قبل وأثناء وبعد اجتيازهم «رحلة الموت» إلى أوروبا، فإن تلك الحلقة التي كان عنوانها «مهاجريون سرّيون: إيطاليا»، لمخرجها شريف فتحي، كانت ناجحة بكلّ المقاييس. إذ تجنّب كاتبه ومخرجه، عرض الأحداث وفق السرديّات المملّة. ووفّق البرنامج في تسليس حركة الكاميرا، وانتقاء زاوية الكادر، بعين القنّاص، وتوليف الصياغات البصريّة والموسيقية بما ينسجم مع التعليق. ولم يقدم البرنامج محاولة لتوثيق ظاهرة الهجرة السرية إلى إيطاليا، رصداً وتحليلاً وحسب، بل ترك هامشاً لاستنتاجات، يمكن وصفها، ب «ما خلف الصورة»، كمعادل لغوي للعبارة «ما بين السطور»، أثناء قراءتنا نصّاً مدّوناً. فغالبية المهاجرين في البرنامج هم من شريحة الشباب والأحداث. ولا يوجد بينهم مَن هاجر تحت تأثير ضغوط أو خلفيّات سياسيّة، مباشرة. أو لنقل: إن نسبة اللاجئ السياسي الحقيقي، باتت شبه معدومة. والفقر والبطالة والحسد هي أبرز الأسباب التي تقف وراء موجات هجرة الشباب، بطريقة سريّة ومكلفة. ثانياً، يقف الاستبداد السياسي والفساد، وراء تزايد موجات الهجرة. حتّى ان إحدى الفتيات المغربيات المهاجرات، قالت في البرنامج: «لقد تعلّمت ومارست حقّ التظاهر في إيطاليا». والسؤال هنا: لماذا يشارك المهاجر في ديار الغربة في التظاهرات، وينتقد بحدّة سلطات الدول التي يهاجر إليها، ولا يفعل ذلك في بلده؟ ثالثاً، كشف البرنامج عن محنة المهاجرين حين يسقطون فريسة المافيا النشطة في جنوب إيطاليا، من دون ان يهمل ذكر الجانب الإنساني للكثير من الطليان في التعاطي مع المهاجرين، من حيث الرعاية والاحتضان والتضامن، وانتقادهم النزوع العنصري ضدّ المهاجرين، وانتقادهم السلطات الإيطاليّة وقوانينها المتشددة في هذا السياق. رابعاً، كشف البرنامج حالة الرعب التي تبقى ملازمة للمهاجرين من مسألة الترحيل إلى بلادهم، والأزمة النفسيّة التي يعانونها، ريثما تستقرّ أمورهم. إلى جانب تلميح الشعور بالندم لدى بعض الشباب العربي المهاجر، وإنّه «لن يكرر المحاولة، إذ أعيد لبلاده». بديهي أن يكون الشريط الوثائقي الذي قدّمه «تحت المهجر» ينطوي على هفوات، منها: تجاهله المشاكل التي يتسبب فيها المهاجرون غير الشرعيين، ومن بينهم بعض العرب، في القارة العجوز. وذلك عبر امتهان السرقة والسطو وبيع وترويج المخدّرات... الخ! دون أن ننسى أن ذلك الشريط، قد يكون له مردود عكسي، لجهة تنشيط حركة الهجرة غير الشرعيّة بين الشباب العربي، بدلاً من تقليلها.