نفض الأحسائيون الغبار مبكراًَ هذا العام، عن صناديق حديد مخصصة لفصل الشتاء، التي يتخذونها للتدفئة بعد إشعال الحطب فيها، ليس لدخول فصل الشتاء، بل لإغراء الأجواء الحالية التي تميل إلى البرودة الخفيفة، ما يجعلها وقتاً مناسباً للسهرات العائلية حول هذه الصناديق القديمة. وتصاعد رائحة أعواد الرمان المشتعلة من أسطح المنازل وساحاتها المفتوحة، لتبدأ مراسم السمر الليلي العائلي حول تلك الصناديق. ولا تبدو تلك الأدخنة مزعجة للجيران، لكونها تحمل رائحة الرمان. ويصف عبد الإله العلي هذه الفعاليات العائلية ب «الجميلة جداً». ويقول: «قد يبدو تصاعد الدخان الخفيف من منازل، أمراً مستغرباً لغير سكان الأحساء، وقد يتعجبون حين يزورون منزلاً ويستقبلونهم حول نار تتوسط صندوق حديد قديم، لكنهم سيشعرون بروعة التجربة، خصوصاً حين يتناولون الضيافة المُعدة فوق هذا الصندوق». ويشير العلي، إلى أن تلك الضيافة «تبدأ بالشاي المخدر، الذي يتميز بطعمه الخاص ونكهته المميزة، إلى جانب كونه لا يحمل هذه المواصفات إلا إذا تم إعداده على تلك العيدان، إضافة إلى القهوة وبعض الحلويات الشعبية، وأبرزها التمر، وطبق «المُبصل» المغموس بالدبس، وحبات «أبو فروة»، إلى جانب المكسرات. وهذه التجربة لن ينساها الزائر أبداً». ولا يحدد تاريخاً محدداً لبداية ظهور هذه العادة الشعبية، إلا أنه يؤكد أنها «قديمة جداً»، مضيفاً «منذ طفولتي كنت أعيش هذه الجلسات في الليالي الباردة. ونشعر بحميمية اللقاء ونحن مجتمعون حولها». وتعتقد حصة العوض، ان «أجمل اللحظات التي تحملها هذه العادة السنوية، التي تلازمنا إلى أن ينتهي فصل الشتاء، هي التقاء أفراد العائلة حول موقد النار، والمشاركة في إعداد الأطعمة، بصورة تفتح الشهية، إضافة إلى كونها سبباً في الشعور بدفء العائلة. وما يميز تلك النار هي رائحتها الزكية، لأننا نحرص على أن يكون الحطب إما من أشجار الرمان أو الحامض، المعروف ب «الترنج» وتضيف العوض «سابقاً، كنا نلعب ألعاباً كثيرة حولها، ومنها «اللقفة»، و»الملك والوزير والجلاد»، و»الكيرم». فيما تجذبنا الحكايات والذكريات، فما أن نجتمع حتى تبدأ جدتي بسرد القصص القديمة، فنتسمر لنستمع لها، فيما الدهشة تعلو قسمات وجوهنا». وتعد الأجواء الحالية التي تتوسط الصيف والشتاء، «من أجمل الأجواء التي تتميز بها الأحساء، وهي مغرية جداً لالتفاف العوائل حول صناديق التدفئة، وما يجعلها مميزة جداً. وتحرص منازل عدة على إقامة فعاليات عدة خلالها». وتؤكد أن ليلتي الخميس والجمعة هما «من أبرز الليالي التي تسعى العائلات لإقامة جلسة السمر فيهما، لتزامنهما مع العطلة الأسبوعية. وتصاحب هذه الجلسات مشروبات ساخنة، مثل الشاي، والقهوة، والليمون الأسود، والزنجبيل، وشاي الحجر الأحمر، والحليب، إلى جانب المأكولات الشعبية المتنوعة»، مضيفة «تحبذ بعض الأسر التوجه إلى المزارع والاستراحات، لعدم توفر مكان مناسب في المنازل، إلا أنني أرى أن جمالية هذه لجلسات تقل عند الخروج من المنزل، لاعتبارات عدة، أبرزها ان التوجه إلى تلك الأماكن يحولها إلى رحلة».