يقول الشاعر الدكتور غازي القصيبي في إحدى قصائده الوطنية: «وتلك عسير مطلبها عسير ... ودون جبالها برق ورعد»، وكان لفظ عسير في القصيدة إشارة لكل حدود الوطن الجنوبية، في وطننا السعودي المترامي الأطراف، والمترابط في لحمته الوطنية التي نطقت هناك في الجنوب، في «الخوبة، والغاوية، والحرث، وجبل دخان، والعارضة، والريث»، وكل القرى المواجهة للمتسللين، بصورها المعبرة عن صدق الانتماء للوطن والتراب، الذي خفق بطينه في قلوب الأفراد، والجماعات من أبناء الخوبة وكل قرى الشريط الحدودي الرابضة على براكين من الغضب، في حال استهداف موطنها، ومأواها المختلط بدمائها، وحرماتها، وأطفالها، لذلك فليس بمستغرب أن ترى هؤلاء يقدمون أرواحهم فداءً للوطن، جنباً إلى جنب مع جنودنا البواسل الذين هبوا لتطهير الوطن من مواطئ الأعداء المجرثمة بداء الحقد، والأيديولوجية البراغماتية الدافعة لها بأهداف السيطرة، والتشتيت للقوى السعودية المنشغلة بموسم الحج، معتقدين أنهم بذلك سيتمكنون من تحقيق مطامعهم بأقصر الطرق، إذ ظن المتسللون الحوثيون أن الحدود السعودية ستكون نقطة الفتح لهم، بعد أن غدروا بوطنهم، ومواطنيهم في بلادهم الأم، وانجروا وراء الوهم الذي صوره لهم النظام البائس، ورعاه لوجستياً، معتقداً أن حدود المملكة ستكون لقمة سائغة تستقر في أفواههم متى ما أرادوا، وفاتهم أن القيادة والمواطنين دروع عالية الإرادة لا يهمها سكوت المتواطئين، ولا بنادق المتدفقين عنوة، متجاوزين حرمة الأوطان وقدسيتها. لقد تساوت الأعمار والأعمال بين الأفراد والجماعات في حب موطنها بتلقائية مفعمة بنفس الوطن المسكون بمسؤولية أفراده، فترجموا معانيها بتكاتفهم أمام الخطر المقبل، لا فرق في ذلك بين رجال، ونساء، وشباب، وشيوخ، امتزجوا في تفاعلهم مع الجنود، والضباط، وكل القيادة، متعاونين على الأعداء بصدق السلوك في كيفية القبض عليهم من دون فلسفة ومواربة، أو تملص من المسؤولية الوطنية تجاه دحرهم أو تدميرهم، أو قتلهم المشروع، لكل المدافعين عن ترابهم، وأرواحهم، وممتلكاتهم، ومهما حاول الأعداء التخفي سواء بزي النساء، أو بفعل السحر الذي انقلب عليهم، إذ كثيراً ما رأينا السحرة يتساقطون بأيدي سحرهم، فهنا وطن يبطل الشعوذة، ويقتل السحرة، فلا مجال للمتحايلين، ولا منفذ للمتسللين أمام قوة رجاله ونار مدافعه وآلاته، لا تستغرب إذا ما سمعت عن امرأة خمسينية في «جبال منجد» شمال منطقة جازان ترتاب في ثلاثة من المتسللين في الشارع فتعود إلى بيتها وتخبر أقاربها الذين قبضوا عليهم وسلموهم للقيادة، ولا تندهش إذا ما علمت أن رجلاً مسناً خانته قواه بضعف الشيخوخة يستعين برجال الأمن في القبض على متسلل بأثواب النساء، وهنا يتجلى الفرق بين البطولة والجبن، البطولة المطلقة للشيخ الضعيف المستند على قوة أمن وطنه، والجبن المستتر خلف الأثواب النسائية المفضوحة برائحة الخيانة. هذه هي الوطنية المتجلية في أبدع صورها تلسع أجساد الأمميين الذين صمتوا خلف هدير المدافع، وقصف مواقع المتسللين، لا ترى لهم شجباً ولا تسمع لهم استنكاراً، يرون الحق باطلاً، والباطل حقاً، في مسألة واضحة لا تحتاج إلى فلسفة أو تبرير، لكنها فلسفة الوطن، هنا تبرز من خلال أبنائه البررة الذين عرفوا معنى الوطنية، فذابت القبيلة في هوية الوطن، ما جعل أبناء قبائل قرى جازان الحدودية يتناوبون على حراسة قراهم، جنباً إلى جنب مع عيون الجيش الساهرة، فها هم أولاء شباب قرية «المجازة» يحرسونها مع كل غروب شمس، وشباب إحدى قبائل قرية في «العارضة» يقبضون على 11 متسللاً، ويقوم أحد رجال المرور في «ظهران الجنوب» بالقبض على سبعة من المتسللين الذين اختبأوا خلف الأشجار، ها هو ذا الوطن في الجنوب، يسطر ملحمة الفداء بأرواح الشهداء من جنود الوطن، والولاء من أبنائه. [email protected]