في أواخر شباط (فبراير) الماضي، نشر مراسل صحيفة «إيلاف« الإلكترونية زيد بنيامين من دبي، خبراً مترجماً عن «التايمز» اللندنية، قال فيه إن ثلاثة آلاف سيارة مستأجرة تركها أصحابها في مطار دبي، وغادروا البلاد من دون رجعة، جراء الأزمة المالية التي أفقدتهم أعمالهم، وأثرت في قدرتهم على سداد إيجارات أو أقساط تلك السيارات. وعلى رغم أن مراسل «إيلاف« كان ناقلاً للخبر وليس مبتدعاً له، إلا أن القائد العام لشرطة دبي ضاحي خلفان تميم بادر «إيلاف» ومحررها برد عاصف، وقال بالحرف الواحد «ورب الكعبة... لقد كذب بنيامين حتى لو كان ناقلاً عن التايمز البريطانية»، وطالب الصحافيين الذين حضروا المؤتمر بأن يكون هذا العنوان الرئيسي لتغطيتهم هذا المؤتمر. وعلى رغم صرامة رد قائد شرطة دبي على «إيلاف» ومحررها، إلا أنه لم يتعد على «التايمز» ولا على مراسلتها في دبي سونيا فيرما، التي نسبت إلى مصدر في مطار دبي «أنهم وجدوا في يوم واحد فقط 24 سيارة تركها أصحابها في المطار وغادروا البلاد«، بل إن ما حصل هو النقيض، إذ تتابعت إعلانات دبي في الصحيفة اللندنية، واستمرت بمعدل شبه أسبوعي، وزادت في بدايات الإجازة الصيفية إعلانات «جميرة بيتش» وشاطئ دبي، مع أسعار تنافسية للسائحين هناك. وكانت دبي في قلب الحدث، وتصدرت الصفحات الأولى في كل صحف العالم الأسبوع الماضي، بعد طلب شركة دبي العالمية من دائنيها إمهالها ستة أشهر، لتسديد ديونها البالغة 59 بليون دولار، وهو ما أحدث أثراً سلبياًَ على مجمل البورصات العالمية. وإن كانت الأزمة غير مستغربة بل كانت متوقعة، إلا أن تعليق حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كان شديد اللهجة، إذ انتقد رد فعل المستثمرين في البورصات العالمية، وهاجم الإعلام العالمي وقال: «إن الإعلام لا يبحث عن الحقيقة، ويضخّم الأمور بلا معرفة»، مضيفاً أن «تهويل الإعلام لن يثني عزيمتنا وإصرارنا»، (وما بين الأقواس منقول عن وول ستريت جورنال الأميركية). وبالتأكيد لا نتمنى للشقيقة دبي إلا كل خير، فهي التجربة الاقتصادية التي طالما التوت لها الأعناق إعجاباً ودهشة، وما زالت وستستمر إن شاء الله رائدة وسباقة في الانطلاقة الرائعة، التي قطعت فيها أشواطاً كبيرة في فترة قياسية، إلا أن الردود «المتشنجة« و«الانفعالية« لن تخدم دبي. وما تحتاجه دبي حالياً هو التفكير بعمق وروية للخروج من الأزمة بأقل الخسائر. ولعل السيناريوهات المحتملة في حل أزمة دبي المالية تتركز في أمرين، أولهما أن يسعى الشيخ محمد بن راشد لبحث دعم شركة دبي، عن طريق علاقاته الشخصية مع أبو ظبي ودول الخليج الأخرى، لتوفير السيولة اللازمة للشركة للخروج من دوامة الديون، مع تسييل جزء من ممتلكات الشركة، لأن الاقتراض المصرفي لن يكون متاحاً للشركة بسهولة، لاسيما ومؤسسات التقويم المالي ستبادر إلى خفض درجة ملائمة الشركة، بسبب طلبها تأجيل سداد القروض. أما السيناريو الثاني، فهو إعلان الشركة إفلاسها، وبالتالي إعادة جدولة ديونها على فترات زمنية أطول، وهو خيار تلجأ إليه الشركات عادة كآخر الحلول للحماية من الدائنين، كما فعلت جنرال موتورز الأميركية أخيراً. وأختم بأن تأثير أزمة دبي في السوق المالية السعودية، التي تعاود انطلاقتها غداً بعد إجازة الأضحى المبارك سيكون محدوداً، وسيكون تأثيراً معنوياً أكثر منه حقيقياً، فالارتباط بين الاقتصاد السعودي واقتصاد دبي ليس كبيراً، بل إن سوقنا هي الوجهة المقبلة لأي أموال تخرج من بورصة دبي، وهو تأثير إذا ما تمت قراءته جيداً في سوقنا، فسيكون افتتاح الغد أخضر، والعلم عند الله. * اقتصادي سعودي - بريطانيا www.rubbian.com