هل هدأت «الحرب» الجزائرية - المصرية؟ يبدو ذلك... أو على الأقل نأمل ذلك، وبالتحديد لأنها من بين الحروب كافة - والحروب دائماً سخيفة وغير ذات معنى، وتنتهي بالخسران لكل المشاركين فيها حتى ولو زعم، بعضهم، نصراً -، بدت الأسخف والأكثر تعارضاً مع كل منطق، حتى وإن كان البعض رأى فيها كشفاً لما كان مسكوتاً عنه وهو ان كل تضامن عربي، أو تحمل شعب عربي الآخر، خرافة ما بعدها خرافة. ولعل المشهد الأكثر سخفاً من بين المشاهد التي ارتبطت بحرب «الكورة» تلك، كان مشهد فنانين مصريين يقفون فوق خشبة مسرح ختام مهرجان القاهرة السينمائي، ليعلنوا استمرارهم في الحرب ضد الجزائر ومقاطعتها وردّ جوائزها الفنية التي أعطيت لهم، مع العلم بأن الدولة المكرمة خلال هذه الدورة كانت... الجزائر تحديداً. غير أن الغريب، في ذلك كله، هو أن «آثار تلك الحرب» لم تطاول التلفزيون، وهو أمر لوحظ وروده قبل سنوات، حين أعلن مصريون مقاطعتهم المسلسلات السورية بسبب مواقف وخلافات سياسية بين نظامي البلدين... وكان - أيضاً - شيء على مثل تفاهته حدث قبل سنوات حين أراد «ممانعون» عرب إعلان حرب مقاطعة ضد مصر، وأيضاً بسبب تفاوت في وجهات النظر بين أنظمتهم ونظامها. هذه المرة، على حدّ علمنا على الأقل، نفذ التلفزيون بجلده، لم يدع أحد الى إيقاف «التبادل» بين الأمتين، المصرية والجزائرية... وربما لأن ليس ثمة في هذا المجال أي تبادل، طالما ان الميزان مختل تماماً، لمصلحة الإنتاج المصري، حيث إن المسلسلات المصرية تعرض وبانتظام ونجاح في الجزائر، وفي المقابل لا تعرض التلفزيونات المصرية أي عمل جزائري ولو من باب الفضول... وربما أيضاً لأن الإنتاج التلفزيوني العربي، بات منذ زمن عابراً البلدان، لا يمكن أهل بلد واحد أن يتحكموا فيه. المهم ان «العنتريات» طاولت السينما، إنما في شكل شديد الالتباس، لكن التلفزيون ظل في منأى عنها. والآن، ماذا لو قررنا ذات يوم، وعلى غرار ما بدا من نصيب إيجابي للنتاج التلفزيوني، ان الوقت قد حان كي ينأى الفن، الذي هو على ارتباط بالعقل والعاطفة، وحتى في نماذجه الأقل جودة، عن المنطلقات الغرائزية، والقاتلة، التي باتت تتحكم في الرياضة، في شكل أوصلته حرب الجزائر - مصر، الى دركه الأسفل؟ ماذا لو نعتبر ان غوغائية الرياضة، ومهما كانت هوية ممارسيها، نابعة أصلاً من افتقار جمهورها الى حس التعامل مع الفن، وغيابه عن الفنون الحقيقية؟ ماذا لو نكتشف، مثلاً، أن الأمور كانت ستكون أهدأ وأكثر تعقلاً، أن ما ننفقه على الفن واجتذاب الجمهور اليه، أكثر جدوى مما ننفقه، ليس على الرياضة في حد ذاتها، بل على تحويلها الى ميدان لنشاط الغوغائيين، وتصاعد ما يطلق عليه أمين معلوف اسم «الهويات القاتلة»؟