من حين إلى آخر قد ينتابنا ألم في الصدر وأعلى البطن يجعلنا تحت وطأة القلق ويثير لدينا الشكوك بأن القلب الجاثم بين ضلوعنا ليس على ما يرام. أول ما نفكر فيه هو الإصابة بالذبحة الصدرية أو الأزمة القلبية، فتتسلل الهواجس إلى النفوس لنهرع إلى الطبيب طلباً للعون. قد يكون هذا الألم في الصدر وأعلى البطن مؤشراً على حدوث اضطراب خطير، ولكن أيضاً قد لا يكون كذلك، وطبعاً هذا لا يعني أن نغض الطرف، بل يجب الاستفسار عنه لمعرفة أصله وفصله. ومن أجل تقويم الوضع من كل جوانبه يتم إخضاع المريض لسلسلة من التحريات السريرية والتحاليل الطبية، وقد تأتي النتائج كلها سلبية فلا تشير إلى أي خلل، ومع ذلك فإن الألم يستمر، ويخرج المصاب من العيادة وفي ذهنه علامة استفهام كبيرة وتساؤل حول جدارة الطبيب أو ربما إهماله. في كل الأحوال، ليس كل ألم في الصدر ذبحة قلبية، فهناك آلام صدرية تثير القلق والخوف مع أنها غير خطيرة ولا علاقة لها بالقلب، وفي ما يلي بعض الأسباب التي يمكن أن تقف وراء آلام الصدر وأعلى البطن غير الخطرة : مرض الضلع القصي، الذي يعتبر سبباً شائعاً لآلام الصدر وأعلى البطن. فالمعروف أن الأضلاع تتألف من عظم وغضروف، والأخير يكون متصلاً بعظمة القص الواقعة في منتصف الصدر، ونقطة الاتصال هذه قد تكون منبعاً لآلام الصدر وأعلى البطن، وأحياناً قد يظهر في النقطة ذاتها تورم عقدي قاسٍ ومؤلم في الإمكان تلمسه بأصابع اليد بسهولة. الضلع المنزلق. إن الإنسان يملك 12 ضلعاً، السبعة العلوية منها هي التي على اتصال مباشر مع عظمة الصدر (القص)، في المقابل فإن الأضلاع الخمسة الأخيرة ليست على اتصال فوري مع هذه العظمة، وإنما تتلاحم مع بعضها بأربطة، والذي يحصل ان هذه الأربطة قد تتعرض أحياناً للتراخي والضعف بعض الشيء الأمر الذي يفسح المجال لأحد الأضلاع للخروج من موقعه بحيث ينزلق ليستقر داخل أو خارج الضلع الواقع فوقه، وهذا الانزلاق يرافقه ألم يظنه المريض ناتجاً عن القلب أو المرارة أو البانكرياس أو المعدة أو الاثني عشر، مع أن الأخيرة لا ناقة لها ولا جمل في الموضوع. ألم نهاية عظمة القص. إن النهاية السفلية لعظمة القص مدببة ودقيقة تتصل بأسفل القص على شكل زائدة تشريحية، ومكان الاتصال هذا قد تكون مصدراً لألم يشبه في بعض الأحيان وخز السيف. إن الآلام المذكورة، قد يمكن تحديد مواضعها بدقة ولكن لا يمكن ردها إلى أي حادثة أو إصابة بعينها، وهناك من يعزو هذه الآلام إلى حركة معينة مثل الانحناء إلى الأمام، أو التمطي، أو محاولة الوصول إلى شيء ما، أو التقلبات السيئة في السرير، أو بكل بساطة إلى اتخاذ أوضاع سيئة مثل إطالة الجلوس على مقعد السيارة أو على الأريكة. ولا يغيب عن الأذهان أن جميع العضلات والمفاصل في منطقة الصدر والعنق يمكنها أن تكون مصدراً لآلام الصدر، كونها تمتاز باشتدادها أثناء الحركة. اللقطة الجنبية، من منا لم يعانِ يوماً من آلام حادة قصيرة متكررة في الجانب الأيسر من الصدر؟ هذا الألم قد يتلاشى بسرعة، أو قد يدوم أحياناً لبرهة يصبح فيها التنفس مؤلماً الأمر الذي يجبر الشخص على التوقف عن أخذ أنفاس عميقة بل أنفاس قصيرة متكررة حتى يذهب الألم، ومثل هذا الألم يحدث غالباً عند الشباب الأصحاء، وفي معظم الأحيان يظن أنه من منشأ قلبي الأمر الذي يبعث على القلق مع أن القلب لا علاقة له بالأمر. ما هو العلاج؟ غالبية حالات آلام الصدر وأعلى البطن ليس لها عواقب صحية ولا تحتاج عادة للعلاج، وإذا اقتضى الأمر تركينها فيمكن وصف عقار الأسبرين أو أمثاله، أو يمكن وضع كمادات دافئة في مواضع الألم، وإذا فشلت هذه المعالجات فقد يعمد الطبيب إلى حقنة من الكورتيزون، ما يعطي نتيجة سحرية في معظم الحالات، وفي الإمكان تكرار الحقن في حال عاود الألم الكرة. على كل مريض يعاني آلاماً في الصدر ألا يتردد في مراجعة الطبيب أو الإسعاف من أجل تأمين السلامة قبل تأمين الضمير والشعور بالندم لاحقاً. ففي حال وجود أزمة قلبية فعلية فإن تلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب يجنب الوقوع في مضاعفات مزمنة لا لزوم لها، ويسمح أيضاً في منع الخوف والقلق والرهبة التي تعكر حياة أي شخص. إن آلام الصدر تنجم عن أسباب كثيرة، وتولّد النوبة القلبية عوارض متباينة، أما آلام الصدر الناجمة عن علة في القلب فتستغرق في العادة دقائق قليلة، وفي حال استمرار هذه الآلام لثوان قليلة أو لساعات طويلة ثم تزول، فمعنى ذلك انها لا ترتبط بالقلب، وبالطبع فإن مثل هذه الآلام ما هي سوى مؤشرات وليست قواعد صارمة. على المصاب أن يستشير الطبيب أو مراجعة الإسعاف حالاً في الحالات الآتية: إذا كان الألم في الصدر على شكل حس الضغط أو الثقل. إذا كان يزداد حدة وفي شكل تدريجي خلال برهة قصيرة. إذا كان الألم يتمركز في منتصف الصدر. إذا كان الألم يمتد إلى اليدين أو الكتفين أو العنق أو الفك أو الظهر. إذا كان ألم الصدر يبرز إلى السطح عند الجهد والانفعال. إذا ترافق ألم الصدر مع عوارض وعلامات مثل ضيق التنفس والغثيان والتقيؤ والإنهاك وتصبب العرق والنبض السريع غير المنتظم. [email protected]