يصل الشاب العربي الى أرض العم سام، ك«شجيرة فتية محمّلة ببذور التغيير على اعتبار تغير المكان»، ومما لا يقبل الشك أن البذرة الأولى تجد أرضاً خصبة وقبولاً واهتماماً مباشرين. ويتجسّد ذلك أولاً بتغيير الشكل الخارجي مروراً ب «تقمص» شخصية جديدة... حتى الاقتناع الكلي بأنه كشاب عربي «بات أميركياً». وينطبق الحديث على معظم الشبان الذين يتبنون آخر صرخات الموضة و «تقليعات» الشعر والمكياج والاكسسوارات، ويجدون في هذا التبني تمرداً صريحاً يؤكد حضورهم، لا سيما أن غالبيتهم في سن المراهقة ولم يتجاوزوا العشرين في أكثر الأحوال وغير ناضجين فكرياً واجتماعياً فلا يجدون سبيلاً آخر للتعبير عما يدعونه الحرية الشخصية. تقول ريم، وهي عراقية لجأت مع ولديها إلى أميركا منذ سبعة أشهر: «ابني بات فوضوياً منذ وصلنا». وتضيف: «أصبح يهدد بالشكوى ضدي كلما طلبت اليه الاجتهاد في دروسه مثلاً او حتى قص شعره الطويل». وتؤكد أن ابنها المراهق وجد في تقليد من هم بعمره من الأميركيين شيئاً مفروغاً منه ومنفذاً وحيداً لاندماجه معهم. وتزيد هذه الأرملة الشابة: «جئنا بحثاً عن الأمان، لكني الآن أخاف من الانفتاح وعواقبه. صحيح ان كثيراً من الهموم تشغلني ككل المهاجرين الجدد، كوظيفة محترمة ذات دخل جيد وعيش مستقر لكن الحصول على هذه كلها يتعثر بالاندماج بالمجتمع الجديد». وتنتشر ظاهرة تقليد الشباب العرب الأميركيين في مشيتهم وتسريحة الشعر وصبغه والبنطلون الضيق وسلاسل الرقبة وال «تي شيرت» التي تظهر رسوماً وعبارات غريبة والألوان الصارخة وطريقة الكلام والاختلاط بين الجنسين. ويقول هادي، (أب لابنتين و3 صبيان): «يفتقد الشباب العربي في المجتمع الغربي الى قدوة مع غياب الوالدين الطويل عن المنزل بسبب متطلبات الحياة الصعبة فيقع اختياره في التقليد على النموذج السيئ ولهذا تتجلى مسؤوليتنا الأهم تجاههم بالعمل على تثقيف الشباب وتعزيز الثقة بأنفسهم والتقرب منهم وعدم صدهم بشدة». الخروج عن العادات الشرقية أو «الاستغراب» كما يطلق عليه في أميركا بما يعني «تقليد الغرب» يخلق الكثير من المشكلات اليومية بين الوالدين وأولادهم حتى وصل الأمر بأحد الأباء العراقيين إلى قتل ابنته لاتباعها الموضة الغربية. وكان فالح المالكي (48 عاماً) دهس ابنته وصديقتها بسيارته وألقي القبض عليه من قبل الشرطة بمدينة أتلانتا في ولاية جورجيا، بعد هربه من ضواحي مدينة بيوريا في ولاية أريزونا التي شهدت الحادثة حيث يسكن، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لا سيما بعد إصابة صديقتها إصابة خطيرة ووفاة الابنة متأثرة بجروحها في المستشفى بعد أسبوعين من الواقعة، ما دفع السلطات الأمنية إلى تعديل التهمة الموجهة إلى الأب، من «الأذى الجسيم»، إلى «القتل المتعمد». وبحسب ما صرح به الناطق باسم قوة شرطة بيرويا مايك تليف، فإن الوالد كان مستاء من النمط المعيشي لابنته المتشبهة بالغرب، وخروجها على التقاليد العربية وعصيان أوامره. من جهته، يشير احمد راسم وهو شاب أردني يدرس الهندسة الميكانيكية في جامعة سان دييغو والرافض تماماً فكرة الاستغراب: «يفرّط الشاب العربي بهويته إرضاء للمجتمع الجديد الذي يرفضه أصلاً ولأن الشباب هو المحرك الأساس لبناء أي مجتمع ومستقبله وهويته فإن هذا الموضوع حساس جداً ولا يجوز السكوت عليه»، مستدركاً بالقول: «لكن غالبية الشباب المهاجرة إلى أميركا تواجه صعوبة التعايش بين ثقافتين: ثقافة الآباء التقليدية المحافظة وثقافة العالم الجديد المنفتح بكل نوافذه لذا، فإن الكثير منهم يفضل التأقلم مع الجديد والخروج من دائرة الصراع التي يقع فيها الآباء». وتتساءل رجاء، وهي شابة مغربية تعيش وحدها وتعمل وتدرس: «هل يجب أن نظل في صراع المقارنة بين الواقع المعاش والذي كنا نعيشه او يجب أن نعيش الواقع بتبني كل شيء جيد وجديد من المجتمع الغربي وهذا أفضل ألف مرة من الانعزال داخل جالياتنا العربية كما انه دفاع عن وجودنا ضد ما نعتبره «استعمار الفكر الغربي». وبعكس رجاء فإن قضايا التقاليد والأخلاق والسلوك في كفة وأمور اللبس والشكل الخارجي في كفة لا توازيها عند سنان، الطالب في المرحلة الإعدادية، الذي يرى أن هناك ثوابت وأيضاً متغيرات وحرية شخصية، إضافة إلى جانب مادي وآخر روحي ويقول: «لماذا الخلط بين الجميع وهل يعني إذا ارتدى شاب عربي ملابس «غربية» انه بات غربي الأفكار؟» ويستدرك: «المظاهر خادعة أحياناً لمَ لا يطرح سؤال آخر، ترى ما سبب نجاح الشباب العرب في الغرب وفشلهم في أوطانهم أليس بسبب توافر الحريات؟».