والدنا «عبدالله بن عبدالعزيز»: وضعت يديك بلطف وعطف على الجباه المفجوعة المندهشة، لتمسح سيل الدموع المسكوبة لأيام متواصلة، نظير ما فعله سيل أربعاء دامٍ بوجه جدة. أوقفت نزيف المشاعر والأحاسيس المتهالكة بفعل الحدث، وضمدت الجراح الطرية، خلقتَ ابتسامات جديدة على الشفاه الذابلة لم يكن لها أن تطل وتظهر لولا أن قَدِمت بأمْرِك طال عُمْرُك. قلت للمتألمين - بعد أن أوصلت عزاءك ومواساتك بطريقتك الفريدة للقلوب - «إن الأب متألم حزين متابع للأوراق المبعثرة من رحلة التعب والغرق»، فبَردت القلوب بما تيسر لها، وأثبتّ لمن يتابع ويطالع أن هذه المملكة العربية السعودية يتربع فيها ملك إنسان، أحب شعبه فأحبه وأحبه العالم من بَعْدَه. والدنا عبدالله بن عبدالعزيز: وضعت اليدين الكريمتين ذاتهما بحزم وعزم، لإيقاف النزيف، وتقصي الحقيقة، ومحاسبة المقصر والمتهاون والمتسبب، ومتابعة مكمن الخلل المجهول؛ حين سمعت أنين جزء من شعبك الغارق في «عروس البحر الأحمر» وشاهدت فزعهم وهلعهم، وخوفهم وقلقهم، وصورتهم المتنوعة ما بين مكلوم ومحروم ويتيم وأرملة، وهائم يبحث عن جسد كان معه مدى العمر فاختفى في لحظات. حضرت سريعاً بقلب الأب، وروح الأخ، وهيبة ملك؛ لتأتي بقرارات تاريخية تواكب الحدث المفزع، وتريحنا من تراكم التفسيرات والتأويلات والاتهامات، وتضع النقاط على الحروف حتى تتضح، ويتضح الطريق الذي سارت فيه زمناً ماضياً بلا نقاط! والدنا: حضرت بطيبتك لتعلن معنى «الشفافية»، وتشرح كيف تكون الصراحة في مواجهة مأساة، أتيت بقرارات جريئة تشعر وتعكس حجم الألم الذي يسكن رجل الدولة الأول، وينبع من صُلْبِ القيادة، حين التقيت بصُوَر المأساة وحجم الكارثة، متابعاً خطك الصريح الجريء في مكافحة رائحة الفساد، والوقوف بصرامة وشدة، في وجه من أمهله الزمن السريع والثقة الممنوحة والمسؤولية الملقاة، ونسي أنها لن تهمله عين الرقيب، وستضعه على مسطرة الحساب والعقاب، إن احتضن الزمن إهمالاً في العمل وبوادر فقدان أمل. والدنا عبدالله بن عبدالعزيز: بعدد سكان الوطن الطيب العطوف، سنطبع قبلات متتالية على جبينك الذي وضع لنا وزناً في معادلة العالم، وقلباً متماسكاً مترابطاً في عيشه ونبضه بالداخل، سنطبعها لأنك جمعت في قراراتك التاريخية - مساء ما قبل البارحة - الرحمة والعطف والحزم والجد وعِظَم الأمانة، ونقلك الفطري لما جرى في المكان من ذمتك لذمة اللجنة المشكلة لقراءة تفاصيل المعاناة الطويلة، المنكشفة بسيل ماء والمتضاعفة بحلول وقتية سريعة، وأرقام موجودة لكنها تحتاج لنبش كيفية صرفها وأين؟ والدنا عبدالله بن عبدالعزيز: سيرفع لك كل مواطن متعب ومنهك ومجروح ومتألم من أهل جدة يديه داعياً لك بطول العمر، بعد أن كنت بجانبه حين انقطع ظهره بفقد كل شيء، وتوقفت حياته لفقد المسكن والأسرة وضَعْفِ الحَالِ وغموض المستقبل. سيشكرك مواطن هذه الأرض على الأبوة والالتفاتة والعناية والرعاية، وسيحتفظ بك في حديثه وذاكرته لخطواتك المباركة، في مطاردة الفساد ومتابعة القصور ومحاسبة المخطئ والوقوف بحزم أمام كل خطأ وتقصير. إمبراطور الطيبة وملك الإنسانية: «لن تُحرم أجر هؤلاء الضعفاء والمساكين الذين لم يملكوا حيلاً ولا قوة أمام كارثتهم، ستبقى بقلوبهم وعقولهم أنت الملك الصالح «عبدالله بن عبدالعزيز الذي لا يشبهه أحد»! [email protected]