يحتمل رد طهران إيجاباً أو سلباً، على اقتراح مجموعة الدول الست في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، معاني متضاربة وكثيرة لا تنتهي الى معنى واضح. فهي توسلت بكل صيغ الرد المحتملة. فردت بالإيجاب على الاقتراح، وأعلنت أنها ستتعاون. ولكنها سرعان ما عدلت عن الرد الأول، وأعلنت أنها لن تتعاون. ثم غيّرت موقفها، وقالت «ربما نقبل الاقتراح». وليس هذا التذبذب في المواقف الإيرانية بادرة خير. ويرى كثر أن التذبذب هذا هو في مثابة مسرحية سياسية متنافرة الأصوات. ولكن المواقف المتباينة هذه هي صدى تداول الايرانيين المسألة النووية، ومناقشتها مناقشة صاخبة، وخروجهم عن الإجماع على موقف واحد. وفقد قادة المجتمع الدولي بوصلة الموقف الايراني الحقيقي، وتقويمه. وفي مطلع تشرين الثاني (نوفمبر)، خلص محمد البرادعي، مدير وكالة الطاقة الذرية النووية، الى أن «جهاز السياسة الخارجية الايرانية مشلول أو مجمد». وأعلن الرئيس الاميركي، باراك أوباما أن ايران ليست مستقرة سياسياً استقراراً يخولها الرد سريعاً على الاقتراحات الدولية. ولا شك في أن البرادعي وأوباما يشخصان «العارض» الايراني استناداً الى تصريحات المسؤولين الايرانيين. فالرئيس الايراني، أحمدي نجاد، وسعيد جليلي، المفاوض النووي، والجنرال حسن فيروزأبادي، قائد القوات المسلحة، وعلي أصغر سلطانية، ممثل ايران في مجلس وكالة الطاقة الذرية الدولية، أجمعوا كلهم على تأييد الاتفاق مع الدول الست. ويبدو أن السلطة التنفيذية في الحكومة الايرانية تميل الى إبرام صفقة نووية، وأن معارضيها يدينون مثل هذه الصفقة. فرئيس البرلمان الايراني، علي لاريجاني، وهو يطمح الى رئاسة الجمهورية الاسلامية، نبّه الايرانيين الى أن «الغربيين يحاولون خداع ايران». وانتقد مير حسين موسوي مفاوضات جنيف، وقال إنها تجهض جهود العلماء الإيرانيين. ورفض مرشد الثورة، آية الله علي خامنئي، الصفقة النووية. وقد يكون انقسام المواقف الايرانية فأل خير. فهو تعبير عن ضعف الإجماع الايراني على الملف النووي. ولم يسبق أن تداول قادة ايران على مرأى من العالم ومسمعه في مسائل مثل الحذر في المفاوضات، والمصلحة منها، والتراجع لنزع فتيل أزمة نووية، والتفاوض مع أعداء خارجيين. وثمة سابقة من هذا النوع اختبرها الاميركيون في مفاوضة الاتحاد السوفياتي، ومفاوضة روسيا من بعده، على تقليص الأسلحة النووية. فالمفاوضات على معاهدة الحد من الانتشار النووي دامت عشرة أعوام، قبل إبرامها في تموز (يوليو) 1968، والمفاوضات على الحد من الأسلحة الاستراتيجية خمسة أعوام. وفي أعوام التفاوض، اتهم السوفيات الاميركيين ب «تكريس الخلل في الميزان الاستراتيجي». ولم يكن الاتحاد السوفياتي مستعداً لتعريف الصواريخ الثقيلة (أي سي بي أم) تعريفاً مشتركاً. وفي تشرين الاول (أكتوبر) 1999، بعد ثلاثة أعوام على توقيع الرئيس بيل كلينتون معاهدة حظر التجارب (النووية)، لم يصادق الكونغرس الاميركي عليها. وفي 1974، أعلن هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأميركية يومها، أن معاهدة «سالت - 1» هي إنجاز كبير ومنعطف. ولكن جورج ماهون، رئيس لجنة مجلس الشيوخ، أعلن أن المعاهدة هذه لا تدعو الى الغبطة. ورأى السيناتور هنري جاكسون أن المعاهدة هي برهان على «ضعف أميركا». ولا يزال عود ايران طرياً في المفاوضات على مسائل مهمة مثل القوة النووية. لذا، لا يبعث على العجب تعثر الديبلوماسية الايرانية، وغموض مسار المفاوضات، في وقت لم تهدأ الخلافات الداخلية، ولم تحسم. وفي الأثناء يسع أجنحة السلطة الايرانية كلها التدخل في الصفقة الدولية النووية. وحريّ بالعالم أن يتحلى بالصبر في المفاوضات. فهو أهون الشرور. وليست تصريحات وزير الخارجية الايرانية، منوشهر متقي، الأخيرة مماطلة خالصة. فهو قال ان مواصلة المساعي الديبلوماسية هي فرصة للتوصل الى حل، وإبرام صفقة. والصفقات النووية لا تبصر النور بين ليلة وضحاها، بل هي وليدة مفاوضات طويلة. صحافيان، عن «فورين بوليسي» الاميركية، 11-12/2009، إعداد م. ن.