لا يزال الشارع الجزائري مشغولاً بتبعات تأهل منتخب بلاده لكرة القدم إلى نهائيات كأس العالم والمواجهة التي رافقت المباراة الفاصلة مع مصر، ما سبب ارتياحاً كبيراً لدى السلطات التي وجدت في هذا الانشغال فرصة لم تفوّتها للتخفف من أعباء، أبرزها «ثورات الغضب» في الأحياء الفقيرة والإضرابات في قطاعي الصحة والتعليم التي تراجعت إلى خلفية الاهتمامات. وارتفعت شعبية الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى مستويات كبيرة جداً في أوساط الشباب الذين طالما سعى إلى استمالتهم. وبدا أن مباراة في كرة القدم حققت له ما لم يكن يحلم به، إذ هتف المحتفلون بالتأهل، باسمه كثيراً، ومنهم من رفع شعارات مثل «ولاية رابعة»، لمطالبته بالاستمرار في الحكم لولاية إضافية بعد الولاية الثالثة التي بدأها في نيسان (أبريل) الماضي. وكانت الأسابيع التي سبقت مباراتي كرة القدم مع المنتخب المصري في القاهرةوالخرطوم اللتين حسمتا بطاقة التأهل لكأس العالم، شهدت مواجهات عنيفة بين الشرطة الجزائرية وسكان أحياء فقيرة في عدد من المدن، إضافة إلى ثلاثة إضرابات في الجامعات والمدارس وقطاع الصحة. غير أن هذه القضايا توارت في ظل نشوة الانتصار الكروي والمواجهة الإعلامية المتبادلة مع مصر. وتواصل الصحف الجزائرية نقل أخبار المنتخب وتبعات المباراتين، على رغم مرور 12 يوماً على التأهل. وحققت هذه التغطيات مبيعات خيالية غير مسبوقة لبعض الصحف، كما نجحت في تحويل الاستياء العميق الذي كان يميز سلوك العاطلين من العمل ضد الحكومة ورموزها، إلى شعور غير مسبوق ب«التوحد» مع السلطات، يكاد يغيب فيه أي فارق بين الطرفين. وحتى ظواهر تمثل صداعاً لا ينتهي للحكومة مثل الهجرة السرية التي يسعى إليها آلاف العاطلين من العمل، شهدت تراجعاً لافتاً لا تخطئه عين. ففي مدينة عنابة (650 كلم شرق العاصمة) التي طالما لفتت الأنظار إليها بمحاولات شبه يومية للهجرة السرية نحو الجزر الجنوبية لإيطاليا، لم يرصد خفر السواحل منذ التأهل إلى نهائيات كأس العالم أي محاولات للتسلل. وتنشر فرق مراقبة السواحل التابعة لوزارة الدفاع مئات العناصر لتجوب السواحل قرب عنابة، خصوصاً خلال الأعياد التي يستغل مدبرو الرحلات انشغال السلطات في الاحتفالات بها، لمضاعفة رحلاتهم. لكن عنابة بقت هادئة خلال عيد الأضحى الذي بدأ الجمعة الماضي، وظلت سواحلها الممتدة شرقاً نحو الحدود التونسية بلا أحداث تذكر أو تقارير أمنية تشير إلى محاولات تسلل، كما لم تنقل وكالة الأنباء الرسمية أخباراً عن مهاجرين اعتقلوا في عرض البحر. وفي ملعب «19 مايو» في عنابة، سحب المشجعون في إحدى مبارايات الدوري الجزائري لكرة القدم، مقاطع من هتافات تتغنى بالهجرة إلى إيطاليا، واستبدلوها بأهازيج لمنتخب البلاد دون فريقهم الذي كان أعضاؤه في أرضية الملعب. وأطلق المناصرون أغنيات جديدة تشير إلى «تأجيل حلم الهجرة إلى ما بعد المونديال» في جنوب أفريقيا. ويقول قلعي شاكر (25 سنة)، وهو يعمل في متجر لبيع القماش في قلب عنابة: «حلمت بالهجرة، وحاولت مرتين من ساحل سيدي سالم... صحيح الحياة لا تزال صعبة، لكن على الأقل المقابلة (المباراة مع مصر) أنزلت هدوءاً على بعض أصدقائي الذين كانوا يقنعوني بالهجرة». ووجه وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين يزيد زرهوني حكام ولايات البلاد ال48، إلى «استغلال نجاح المنتخب في غرس الأمل لدى الشباب». وقال في حفل أعقب عودة المناصرين من الخرطوم إن «الدرس هو أن ندفع بالجزائريين للتعلم من مشوار الفريق... حينما نريد الذهاب بعيداً ونصر على تحقيق الأهداف، يمكننا ذلك». وكانت الإذاعة الرسمية أجرت استفتاء عبر موقعها على شبكة الإنترنت، أظهر أن 90 في المئة متفائلون بتأهل المنتخب الجزائري.