الذين يسعون إلى إثارة حالة من القلق تعمّ جميع المسلمين في العالم، بمناسبة موسم الحج هذا العام، وفي مقدمهم المتمردون الحوثيون الذين حملوا السلاح في عصيانٍ إجرامي ضد بلدهم الجمهورية اليمنية، وتجاوزوا ذلك بالعدوان الغاشم الغادر الذي شنّوه على الأراضي السعودية على الشريط الحدودي بين البلدين، هؤلاء الذين يفسدون في الأرض ويدّعون الإصلاح، هم موقظو الفتنة وموقدو نارها، في هذا الموسم المبارك الذي تتجه فيه قلوب المسلمين إلى الأراضي المقدسة التي يحميها الله، وتخدمها المملكة العربية السعودية، الدولة الإسلامية القوية القادرة، بعونٍ من الله، على تحمّل مسؤولياتها والذود عن حماها. إن موسم الحج هذا العام يحلُّ بينما نيران الحرب تندلع في جنوب الجزيرة العربية في إصرارٍ غريب مريب مثير للانتباه، من جماعة من المتمردين يتلقون الدعم والتوجيه والمؤازرة من الخارج، ولا يراعون لهذا الموسم حرمة، ولا لسيادة بلدهم اعتباراً، يواصلون تآمرهم على وطنهم وعلى المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق أهداف شريرة تخدم مصالح أطراف أجنبية عن المنطقة، تسعى إلى إغراق هذا الجزء الغالي من العالم العربي الإسلامي في الفوضى التي يحسبون أنها ستنتهي إلى تحقيق ما يحلمون به من مآرب سياسية تجتمع حولها قوى متناقضة في توجّهاتها ومتضاربة في أهدافها، لكنها متفقة على إيذاء وإشغال دول فاعلة ذات تأثير في المنطقة، في إطار ما يخططون له من إعادة رسم خريطة ما يسمونه بالشرق الأوسط الجديد تكون إسرائيل قمة الهرم فيه. إنَّ التشويش على موسم الحج هدفٌ من الأهداف الخبيثة التي يسعى إلى تحقيقها هؤلاء المخرّبون لضرب وحدة المسلمين وتفريق صفوفهم. وهو عمل يتعارض كليةً مع المقاصد الشرعية التي جعلها الله مقترنة بهذه الفريضة. فالحج مظهر من مظاهر الوحدة الإسلامية في أشرق تجلياتها. ولذلك فإن من يفسد هذا المظهر ويسيء إلى هذه الصورة المثلى المشرقة لوحدة المسلمين، يلحق أفدح الضرر بصورة الإسلام، سواء قصد ذلك أو لم يقصده، لأن العبرة هنا بالنتيجة وليست بالنية. والحرب الدائرة في الجمهورية اليمنية هي حلقة في سلسلة التخريب التي يسعى مدبرو الفتنة والمؤامرة، إلى تطويق دول الجوار بها، في مسعى خبيث لزعزعة الاستقرار في العالم الإسلامي كله من مشرقه إلى مغربه، بشتى الأساليب والطرق، ومنها استغلال الرأي العام الذي تغيب عن قطاع واسع منه الحقائق، من جراء انحياز بعض وسائل الإعلام في العالم العربي الإسلامي، إلى من يحركون خيوط الفتنة والمؤامرة ضد الإسلام والمسلمين في التدليس وتزوير الحقائق وتزيين الباطل. وهم بفعلهم هذا يصرفون المسلمين عن قضاياهم المصيرية، وتنمية مجتمعاتهم ومحاربة مظاهر الفقر والخصاص والتخلف للحاق بركب التقدم الإنساني في كل المجالات. وهي القضايا الأشدّ إلحاحاً التي تعمل أطراف متعددة على إبعاد العرب والمسلمين عنها، لإبقائهم ضمن دائرة الفقر والتخلف وتمزق الصف واحتدام النزاعات وتفاقم الصراعات الداخلية. إن ما يجب أن نفكر فيه ونوليه بالغ اهتمامنا في هذه الأيام المباركة، هو أن العالم الإسلامي مدعو اليوم إلى العمل بكل الوسائل للحفاظ على قوة وشائج الوحدة التي جعلها الله تعالى أصلاً ثابتاً للأمة الإسلامية، وإلى نبذ أسباب الفرقة وتمزيق الصفوف، وإلى تجاوز الخلافات والقضاء على عوامل الشقاق، وإلى تعزيز التضامن الإسلامي وجعله قاعدةً لحل المشاكل وفض النزاعات وتسويتها في إطار الأخوة الإسلامية، وإلى اليقظة التامة تجاه ما يحاك في الخفاء للعالم الإسلامي من مؤامرات لإضعافه وضرب بعضه ببعض. إن من حقائق الإسلام التي ينبغي أن تكون مشاعة بين المسلمين جميعاً ونستحضرها في موسم الحج بخاصة، أن دم المسلم حرام على أخيه المسلم، وأن هتك حرمة المسلم من الكبائر التي نهى الله تعالى عنها، وأن خروج طائفة من المسلمين على المجتمع المسلم بالتمرد وحمل السلاح لقتل إخوانهم في الدين والفساد في الأرض، جريمة عظمى في حق الإسلام، وفي حق الإنسانية بوجه عام. ومن الضروري أن نؤكد في هذا السياق، أن الخروج من دوائر الصراع والفتنة وتجاوز الأزمة الحضارية التي يعيشها المسلمون في هذه المرحلة من التاريخ، مرهونان بالعودة إلى الإسلام الجامع بين المسلمين كافة، والاستمساك بعروته الوثقى، وتغليب المصالح العليا للأمة الإسلامية في الحاضر والمستقبل، على كل المصالح التي لا تحقق نفعاً أو فائدة، لا لأصحابها ولا لعموم الشعوب الإسلامية. كما أن من الضرورات الملحة التي يتوجب أن نعمل في إطارها، وندعو إلى التأكيد عليها، المبادرة إلى تجنّب كل أشكال التطرف، سواء في الاعتقاد والتفكير أو في السلوك والممارسة العملية، والالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية التي تحض على الاعتدال والوسطية، وتدعو إلى التعارف والتقارب من منطلق التسامح والتعايش، واحترام سيادة دول العالم الإسلامي ووحدة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها، والعمل على تطبيق مبادئ الإسلام في الدعوة إلى السلم القائم على العدل، وفي محاربة الظلم والعدوان على كرامة الإنسان، وفي دعم جهود المجتمع الدولي من أجل إقرار الأمن والسلم في العالم، وتعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات والتعايش السلمي بين الشعوب. وموسم الحج هو الوقت المناسب تماماً لنتذكر بعمق ونستحضر في وعي كامل، أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، يفرض على الفلسطينيين جميعاً، توحيدَ الصف والهدف، وإنهاء حالة الصراع غير المبرر بين الأطراف الفلسطينية، والتركيز على العمل من أجل التحرير الشامل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف. ولذلك فإن فتنة المسلمين عن العمل لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، جريمة في حق الإسلام والمسلمين. إن العقلاء والحكماء يدركون جيداً أن التغيير الحضاري في العالم الإسلامي سبيلُه بناء اقتصادات متماسكة وقوية، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي الواسع ومتعدد المجالات بين دول منظمة المؤتمر الإسلامي كافة، وتفعيل الاستراتيجيات التنموية وفي مقدمها الاستراتيجيات التعليمية والثقافية والعلمية والتقانية التي أعدتها الإيسيسكو واعتمدتها مؤتمرات القمة الإسلامية في دورات متعاقبة، والعمل بمقتضيات «استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية» التي وضعتها الإيسيسكو، واعتمدها مؤتمر القمة الإسلامي العاشر المنعقد في ماليزيا سنة 2003، للخروج من حالة الانقسام التي تهدد أمن العالم الإسلامي ووحدة شعوبه. إن هذه القيم والمبادئ والمعاني ينبغي أن تكون حافزاً للمسلمين في موسم الحج، على الوحدة والتضامن، وأداء هذه الشعيرة الكبرى كما أمر الله تعالى بلا رفث ولا فسوق ولا جدال. وفي احترام كامل لقدسيتها، والتزام واضح بالضوابط الشرعية وبالإجراءات التنظيمية التي تسهر على نجاحها السلطات المسؤولة في المملكة العربية السعودية لضمان نجاح الحج. فتلك هي المنافع التي أمرهم الله بأن يشهدوها. وبذلك نقطع الطريق على من يعيثون فساداً في الأرض، ويسعون للتآمر على وحدة المسلمين، وإشغالهم بالصراعات والمهاترات بينما حقوقهم تضيع وكرامتهم تمتهن. والذين يسعون إلى الإسهام في إضعاف العالم الإسلامي وإشعال نار الفتنة فيه لأهداف طائفية أو إقليمية، ستحبط أعمالهم، كما أحبطت أعمال من سبقهم من أهل الأهواء عبر تاريخ الإسلام الطويل، وستبقى الأمة بإذن الله، أمة الوسط والخيرية لا أمة الطائفية والعصبية. وسيبقى حرم الله آمناً ومثابة للناس في ظل دولة ترفع شعار الإسلام وتحتكم إلى تعاليمه، وتخدم المسلمين بلا منٍّ ولا أذى. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو