المياه الوطنية تطلق برنامج تقسيط توصيلات المياه والصرف الصحي المنزلية    «تقنية الطائف» تقيم لقاء توظيف بعدد 300 فرصة وظيفية    النازحون يعودون إلى الخراب في شمال غزة    بعد زيارتها للمملكة.. رئيسة وزراء إيطاليا تغادر العُلا    9 جلسات حوارية بالأسبوع الإعلامي بجامعة أم القرى    التجارة": 16% نمو قطاع الخدمات الإدارية وخدمات الدعم خلال 2024    خلال اجتماع وزاري.. أوروبا تتجه إلى تخفيف العقوبات عن سورية    رئيس هيئة العقار: 1130 ترخيصاً للأجانب في Q3 من 2024    إغلاق معمل لتحضير المأكولات الرمضانية في جدة    قوات الاحتلال تعتقل 20 فلسطينيًا من مدينة الخليل    رئيسة وزراء إيطاليا تزور منطقة الحِجِر والمعالم التاريخية والأثرية في العُلا    عقار يبشر بإمكانية استعادة الرؤية للمصابين بتلف الأعصاب    السماح للأجانب بالاستثمار في أسهم الشركات العقارية المدرجة التي تستثمر في مكة والمدينة    الجامعة العربية: تحقيق الاستقرار والسلام من خلال تسوية القضية الفلسطينية    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة عشرة لمساعدة الشعب السوري    5 أسباب للتقليل من استهلاك الملح    7 خطوات بسيطة.. تملأ يومك بالطاقة والحيوية    نجل «سعد بن جدلان»: قصائد منسوبة لوالدي لم يكتبها    «النقانق والناجتس» تسبب العمى لطفل بسبب سوء التغذية    الجمعان ومستقبل النصر    «بيدري» برشلونة يقترب من دوري روشن    خلق الهوية الفنية.. «أموريم اليونايتد»    نائب أمير مكة يستقبل المعزين في وفاة أخيه    مطالبة بإلزام المرافق الخدمية ب «المولدات الاحتياطية»    شرطة النعيرية تباشر واقعة شخص حاول إيذاء نفسه    "سلمان للإغاثة" يوزّع مواد إغاثية في مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق    طفاية الحريق في المركبة.. أمن وسلامة    الجوال السبب الأول لحوادث المرور في القريات    ليلة تكريم جميلة مطرَّزة بالوفاء والإخاء    مزارع الريف    الرياض.. طفلة تحت المطر    لحظة تأمل    مؤتمر «خير أُمّة»: محاربة الجماعات المنحرفة ومنعها من تحقيق أغراضها الباطلة    رضا الناس غاية لا تدرك    الزيارات العائلية    فعالية «مسيرة الأمم»    كيف يعشق الرجال المرأة.. وكيف تأسر المرأة الرجل؟    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون معالم المدينة المنورة    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    أكذوبة محاربة الاحتكار الغربية    أمير الشرقية يطّلع على إنجازات جامعة حفر الباطن    «صراع الصدارة» الاتحاد والهلال يواجهان ضمك والقادسية    دراسة: الإجهاد النفسي يسبب" الإكزيما"    السعودية وسورية: الرهان على الشعب السوري!    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    طلال بن محفوظ - جدة    المشكلة المستعصية في المطار !    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    أمير منطقة القصيم يعزي أسرة الزويد.. ويوجه بتسمية قاعة بالغرفة التجارية باسمه    السعودية باختصار    ولاء بالمحبة والإيلاف!    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    محافظ الخرج يستقبل الرشيدي    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الانتصارات والهزائم
نشر في الحياة يوم 28 - 11 - 2009

في السنوات الثلاث الماضية أحرز معسكر الممانعة قدراً من الانتصارات هائلاً. فقد انتزع غزّة وفصلها عن سلطة رام الله «المعتدلة»، وأوقف نموّ حركة 14 آذار اللبنانيّة ثمّ أحبط إنجازاتها، وراهن على إضعاف مصر من خلال معبر رفح، وعلى إنهاك السعوديّة من طريق الحوثيّين، موسّعاً المسافة بين تركيا، «النيو-عثمانيّة»، وحلفائها الأطلسيّين. وفي الوقت نفسه، بارح النظام السوريّ عزلته التي بدأت في 2005 ونجا النظام الإيرانيّ، حتّى إشعار آخر، من الانتفاضة التي أطلقتها الانتخابات. وإذ عجزت الولايات المتّحدة عن تحقيق أيّ إفادة صلبة من وجودها في العراق، وباشرت حزم أمتعتها، استمّرت طهران في تعزيز نفوذها العراقيّ، وربّما في الاقتراب من امتلاك السلاح النوويّ.
هذه لائحة انتصارات باهرة لا يشكّك فيها إلاّ المكابر والمنكر. لكنْ لا بأس باستذكار السبعينات حين انتصرت قوى مقرّبة من الاتّحاد السوفياتيّ في بلدان متعدّدة تعدّد قوس القزح وألوانه، شاملةً فيتنام وجنوب اليمن وأثيوبيا وأنغولا والموزامبيق وأفغانستان ونيكاراغوا. بل لا بأس باستذكار الخمسينات حين كان الاتّحاد السوفياتيّ والصين الشعبيّة يقفان (أو يجلسان) في خندق واحد موصول بنصف القارّة الأوروبيّة.
وهذه الانتصارات الجبّارة لم تحل دون اندثار الاتّحاد السوفياتيّ، فيما انتقل التناقض الصينيّ – الغربيّ من كونه إيديولوجيّاً ووجوديّاً إلى صيرورته تحسيناً لشروط التكامل والتعاون.
فالانتصارات المذكورة لم تكن مؤسّسة إلاّ على القوّة العضليّة، والانتصار بالقوّة العضليّة هزيمة مؤجّلة لأنّ صاحب تلك القوّة لا يملك أيّاً من مواصفات إدامتها، لا في الاقتصاد ولا في الاجتماع ولا في الأفكار. إنّه زند يضرب من دون يد تصنع ومن دون دماغ يفكّر.
إذاً ما يحصل في منطقتنا ليس نهاية الكون ولا سبباً للتفجّع. غير أنّ المقلق، في حالنا، أن تتساوى مع الممانعين القوى التي وضعتها الصدفة البحتة في مواجهتهم، فيما يتفوّق الأوّلون عليها بالإرادة والمبادرة والحسم. فأن يتعادل الطرفان في الافتقار إلى الأفكار والتمسّك بالقديم والعجز عن تقديم أيّ اقتراح مبدع في الاجتماع، يجعلنا نتقلّب بين نار يدرك أصحابها أنّهم يشعلونها، ونار يظنّ أصحابها أنّهم يطفئونها. ولحمُنا، في النهاية، تنهشه الناران.
وربّما كانت هذه حال المشرق العربيّ راهناً، بما يعيدنا، في فهم الانتصارات والهزائم، إلى ما شهده بلد كفيتنام قبل عقود قليلة:
فقد كان نغو دنه دييم أوّل من تولّى رئاسة جمهوريّة فيتنام الجنوبيّة، وكان ذلك في 1955. لكنّ دييم، الأريستوقراطيّ الكاثوليكيّ، لم يتردّد في إبداء كلّ نفور ممكن من التعدّد. فقد عبّر عن حنين رجعيّ وشبه صوفيّ إلى ماضٍ يكاد يكون ميثولوجيّاً يجسّده المجتمع القديم. وهو قد أراد للشعب بأسره أن يبجّل ويجلّ القيم المنسوبة إلى ذاك المجتمع، أي حكم الأريستوقراطيّة وتثبيت منظومة ال «كاست» المغلق والتعاطي مع الثقافات بوصفها مراتب هرميّة جامدة، وأن يعمل على بعثها. لقد كان عهده استبداديّاً وفاسداً، برع فيه أخوه وعائلته سرقةً ونهباً. وهو، في تطبيقه لنظام كاثوليكيّ متشدّد، أثار عداء البوذيّين الذين يعدّون أكثر من ثلثي السكّان.
وفيما كانت قوّات «فيتكونغ» الشيوعيّة تتأهّب عسكريّاً وتنمّي قوّتها بسلاح فيتنام الشماليّة والمتسلّلين جنوباً من مقاتليها، كان الصراع يحتدم بين دييم والأكثريّة البوذيّة. في الآن ذاته، وفي عهد جون كينيدي، تخلّت واشنطن عن دييم فأسقطه انقلاب عسكريّ قاده الجنرال دونغ فان منه في 1963. بعد ذاك راحت تتعاقب الانقلابات العسكريّة، وبدا أنّ البلد غير قابل لأن يُحكم. ثمّ في 1965 بات الحاكم الفعليّ رئيس الحكومة الجنرال نغوين كاو كي، وبعده انتقلت السلطة في 1967 إلى الجنرال نغوين فان ثيو الذي كان بدوره فاسداً وعديم النفع. وإذ غسل الأميركيّون يدهم منه (ولنتذكّر الانسحابات والتراجعات الأميركيّة الراهنة)، فهذا ما لم يكن لمصلحة انقلاب عسكريّ هذه المرّة، بل جاء لمصلحة فيتنام الشماليّة وشيوعيّي «فيتكونغ». وفعلاً انتصر المبادرون والمواظبون الطالعون من الغابات ووُحّدت فيتنام بقيادتهم. لكنّها، هي التي انتصرت عسكريّاً، انتهت بلداً مهزوماً، بالغ الفقر، متسوّلاً العون والاستثمار الخارجيّين، ومحاصَراً بتهم المنظّمات الدوليّة بالانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.