لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب والمسلمون؟ الإجابة ببساطة أن الغرب تقدم بامتلاك ناصية العلم ومعرفة دقائقه وتسخيره في خدمة الانسان، بينما أهمل المسلمون هذا الجانب المهم، وقد كانوا يوماً أصحابه وسادته فغذوا العالم في أعظم العلوم وأجلها وبلغوا شأواً بعيداً في الطب والرياضيات والعلوم والكيمياء والفلك وغيرها كثير، واذا كان الاهتمام بالعلوم والبحث هو الركيزة التي قامت عليها النهضة التي يعيشها الغرب فإن إهمال هذا الجانب وجعله في مؤخرة الاهتمامات هو الذي قعد بالعرب والمسلمين وجعلهم أمماً ضعيفة فقيرة عاجزة عن مجاراة العصر لأنها تخلت عن لغة العصر. لقد أدرك الغرب أنه لا يمكن ان يتسيّد العالم ويكون في مقدمة الأمم وتعيش أممه رغداً من العيش وسعة الا بامتلاك ناصية العلم، فأخذت دوله تنفق على العلم والبحث العلمي بسخاء مدركة ان عائد ذلك سيكون مجزياً، ويمثل الإنفاق على البحث والتقنية نسبة كبيرة من الموازنة في كثير من الدول المتقدمة، ولشدة ارتباط الصرف على العلوم والبحث العلمي أصبح من الممكن تصنيف الدول إلى متقدمة ومتخلفة بنظرة إلى النسبة التي تصرفها على البحث العلمي. فعلى سبيل المثال، نجد أن الولاياتالمتحدة تنفق سنوياً على البحث العلمي والتطوير أكثر من 150 بليون دولار اذ تموّل أكثر من 35 في المئة من موازنة البحث العلمي، بينما يموّل القطاع الخاص في ذلك البلد حوالى 62 في المئة، والاتحاد الأوروبي تساهم حكوماته بنسبة قدرها 33 في المئة من موازنة البحث العلمي ويساهم القطاع الخاص بأكثر من 35 في المئة، وفي اليابان التي خرجت ركاماً من الحرب الكونية الثانية وأصبحت عملاقاً صناعياً كبيراً لديها هيئات ومراكز بحوث عديدة، وبلغ ما تنفقه في سنة واحدة على البحوث العلمية أكثر من 120 بليون دولار لتحتل المركز الثاني بعد أميركا. وإيماناً من الدول المتقدمة بأهمية البحث والتطوير العلمي، فقد أنشأت هيئات ووزارات ومؤسسات مستقلة لهذا الشأن، ففي أميركا مثلاً هناك هيئة العلوم الوطنية ووظيفتها تطوير العلوم الهندسية، ومعهد الصحة الوطنية الذي يتولى دعم أكثر من 1700 مركز بحثي في المجالات الطبية والصحية والزراعة يتولاها مجلس مشترك للزراعة والغذاء، وفي بريطانيا يوجد سبعة مجالس بحثية في مجالات متعددة، وفي كندا هناك مجلس للبحث الوطني يتكون هيكله من 19 معهداً وبرنامجاً وطنياً، وفي السويد يقدم مجلس البحث العلمي دعماً غير محدود للبحوث العلمية في جميع المجالات. واذا كانت تلك هي الصورة الزاهية لاهتمام الدول الغربية بالعلم والبحث العلمي، فإن الصورة في العالمين العربي والاسلامي في غاية القتامة فالاهتمام بالبحث العلمي ضعيف بل يكاد يكون منعدماً، ولذلك يجب الا نستغرب هذا التخلف المزري، كما يجب الا نستغرب استقواء اسرائيل على العالم العربي بدوله الكثيرة وأعداد سكانه الغفيرة، فإسرائيل تصرف بسخاء على البحث العلمي حتى إن دولاً كبرى أصبحت تشتري منها التكنولوجيا الدقيقة والأسلحة فائقة التطور، وحتى فاقت العرب عسكرياً بمراحل كبيرة واستطاعت ان تكون خامس دولة نووية في العالم، ورغم ذلك لم يفهم العرب الدرس حتى إن ما ينفقونه على البحث العلمي لا يزيد على 2 في الألف. انه أمر محزن ومؤسف ومؤلم! ومن المؤشرات التي تؤكد غياب الدول العربية عن قائمة الاهتمام بالبحث العلمي ما أكدته جامعة شنغهاي جياو تونغ (Shanghai Jiao Tong) التي أبرزت من خلال تصنيفها الدولي الشهير الذي صدر أخيراً الجامعات العالمية المهتمة بالبحث والتطوير العلمي والمعرفي طبقاً لمعايير دقيقة اعتمدتها في تصنيف الجامعات والمعاهد الدولية. ولسوء الحظ أو قل للأسف فإن الجامعات والمعاهد والمراكز العربية قد غابت تماماً في هذا التصنيف العالمي عن احتلال أي مركز بين ال 500 جامعة الأفضل في العالم، ما عدا جامعة الملك سعود، هذه الجامعة العريقة التي يعود تأسيسها إلى السبعينات من القرن المنصرم واستطاعت أن تشق طريقها سريعاً لتبلغ مكانة علمية وبحثية متقدمة. هذه الجامعة السعودية التي يديرها الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن العثمان وهو رجل نشط ديناميكي في إدارته الأكاديمية للجامعة التي توفرت لها عوامل النجاح وما بقي لها إلا أن تدخل نادي العالمية، فبلغته لتضع قدمها بين جامعات العالم ال 500 ويتوقع لهذه الجامعة المتعددة الكليات والتخصصات أن تتقدم خطوات إلى الأمام. لعل في تقدم هذه الجامعة الفريدة تشجيعاً للجامعات العربية الأخرى لتلحق بركب جامعات العالم الأكثر تطوراً طبقاً للتصنيف السالف الذكر، ويذكر ان الجامعات الأميركية جاءت في المقدمة كما كان حالها في السنوات الست الأخيرة، ودخلت 208 جامعة اوروبية ضمن أفضل 500 جامعة، كما دخلت خمس جامعات يابانية ضمن المئة جامعة الأولى، من ضمنها جامعة طوكيو التي احتلت المرتبة العشرين وكان للدولة العبرية نصيبها إذ جاءت الجامعة العبرية في القدسالمحتلة في المرتبة 64. إن عدم اهتمام الدول العربية بالعلم وتدني الإنفاق على البحث حيث يقل عن 2 في الألف من إجمالي الناتج المحلي بينما يبلغ في إسرائيل 3 في المئة هو الذي جعل البحث العلمي في أسوأ حالاته في وطننا العربي وجعل العقول النيرة لا تجد أمامها سوى الهجرة، بل إن معظم الذين درسوا في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم بسبب العائد الضئيل الذي يحصلون عليه وعدم توفر مفاتيح للبحث العلمي حتى إن بعض الدراسات تؤكد أن 75 في المئة من الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى أوطانهم العربية. أليست هذه كارثة علمية محققة؟ ثم لماذا تستمر هذه الدول في تخصيص مبالغ فلكية في موازناتها للتعليم العام والجامعي ليتخرج في النهاية من الجامعات والمعاهد خريجون لا تطلبهم سوق العمل ليضافوا إلى ملايين العاطلين عن العمل الذين تخرجوا مثلهم، وتعقد المؤتمرات كل سنة وتصدر التوجيهات ولكن هذا الأسلوب العبثي في استراتيجيات التعليم يستمر وأظنه سيستمر عهوداً طويلة! إن الدول العربية والإسلامية يجب أن تدرك أنه لن تتحقق لها القوة ولشعوبها الرخاء إلا من خلال التقدم الصناعي، وان التقدم الصناعي لا يتحقق إلا من خلال التقدم التقني الذي لا يتحقق إلا بالاهتمام بالعلوم والبحث العلمي، وإذا أردنا تحقيق ذلك يجب الاهتمام بالجامعات بتوفير مراكز البحث الحديثة وخلق جو أكاديمي راق يجذب الأفذاذ من أساتذة الجامعات والباحثين، وان ترعى المتفوقين من الطلاب رعاية تمكنهم من تفجير طاقاتهم، ليصبحوا علماء الغد، وهذا يمثل أكثر المجالات ربحاً وأعلاها فائدة. * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الإستراتيجية [email protected]