يبدو أن أفريقيا تستيقظ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مواردها وثرواتها الطبيعية المستنزفة، ووضع حدّ للتجارة غير المشروعة فيها. إذ لا ترحم متغيّرات المناخ نُظُمها البيئيّة الهشّة، ويتزايد سكانها يومياً بالترافق مع زيادة فقرهم الذي لم يعد يطاق. ويزيد تعقيد الصورة أن النمو الاقتصادي المتسارع الذي شهدته القارة السمراء أخيراً، بات من الصعب استمراره على المدى الطويل، بسبب الإدارة غير الرشيدة لرأسمال أفريقيا في الموارد الطبيعيّة. كانت تلك التحديات وغيرها محل نقاش علمي وسياسي على طاولة «مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة» في دورته الخامسة عشرة التي عقدت في القاهرة أخيراً. وأكدّ المؤتمر وجود حاجة إلى صوت أفريقي قوي ومتّحد يعبّر عن آمال القارة وآلامها، إضافة إلى ضرورة الاستعداد لمحطّات عالميّة مهمة في 2015 تطال تلك القارة. ويبرز بين تلك المحطّات، «المؤتمر العالمي للتمويل من أجل التنمية» الذي يعقد في «أديس أبابا» في تموز (يوليو) المقبل، ودورة انعقاد للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل يرجّح أن تتضمّن إقرار وثيقة عالميّة جديدة حول أهداف التنمية المستدامة، بعد انتهاء الأهداف الإنمائية للألفيّة الثالثة (من دون تحقيقها كاملة). وتشمل القائمة عينها مؤتمر باريس للأطراف الموقّعة على اتفاقية تغيّر المناخ، يحمل اسم «كوب 21» COP 21، في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، الذي يضع نصب عينه ضرورة التوصّل إلى اتفاقيّة عالميّة ملزمة، بعد أن انتهى «بروتوكول كيوتو» من دون بروز بديل عنه لحدّ الآن. هل تستطيع أفريقيا توحيد جهودها، وطرح مبادرات جديدة تعبّر عنها وتبرِز أولوياتها؟ عند إلقاء نظرة على إمكانات القارة السمراء وثرواتها، تظهر أجوبة كثيرة، لكن تثور أسئلة كبيرة أيضاً. المناخ... المناخ من التقارير المهمة التي عرضت في «مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة» في القاهرة، تقرير «فجوة التكيّف في أفريقيا»، الصادر عن «برنامج الأممالمتحدة للبيئة». إذ يؤكّد التقرير خطورة أوضاع أفريقيا حاضراً ومستقبلاً، جراء تغيّرات المناخ، ملاحظة أن تلك التغيّرات تؤلم أفريقيا بشدّة بسبب هشاشة كثير من نُظُم البيئة فيها. ويلاحظ أن تأثيرات المناخ بدأت مبكراً في أفريقيا، خصوصاً منطقة وسط أفريقيا. يورد التقرير وقائع عن تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على القارة السمراء، مُلاحِظاً أن ارتفاع حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين خلال القرن الجاري، سوف يؤثر في مساحات شاسعة في أفريقيا، ويهدد مصادر المياه، والأمن الغذائي، وتطوّر المناطق الحضرية، نظم الرعاية الصحيّة. وفي نفسٍ مُشابِه، تحدّث التقرير عينه عن ظاهرة الارتفاع المستمر في مستويات المياه في البحار، الناجمة عن ذوبان الكتل الجليديّة عند القطبين المتجمّدين، مُلاحِظاً أن تلك الظاهرة تهدد أعداداً هائلة من سكان أفريقيا، خصوصاً في موزامبيق وتنزانيا والكاميرون والسنغال والمغرب ومصر. ويورد التقرير عينه أن أفريقيا تحتاج إلى خمسين بليون دولار سنويّاً حتى عام 2050، كي تنجز خطط التكيّف مع متغيّرات المناخ، خصوصاً ارتفاع حرارة الأرض. وفي اختتام «مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة»، صدر «إعلان القاهرة» الذي يمثّل التزام بلدان القارة الأفريقيّة بالتوصل إلى اتفاق يعبّر عن أولويات القارة الأفريقية في المفاوضات الجارية حول تغيّر المناخ في سياق التمهيد ل»كوب 21»، مع التشديد على ضرورة بناء القدرات الأفريقية في التكيّف مع تغيّرات المناخ التي تفرض أعباءً تتصاعد بصورة مستمرة. معضلة التمويل كذلك أكّد «إعلان القاهرة» على الضرورة القصوى لتحقيق توازن بين جهود التكيّف مع المناخ من جهة، وتوفير التمويل اللازم لذلك من جهة ذلك. وفي سياق تخفيض التغيّر في المناخ، رأى المناخ ضرورة في أن لا يزيد الارتفاع في حرارة الأرض على درجة ونصف عند نهاية القرن الجاري، بالمقارنة مع ما كانته قبل الثورة الصناعية. وفي ذلك الصدد، صرح آشم شتاينر، وهو المدير التنفيذي ل «برنامج الأممالمتحدة للبيئة»، بأن العالم يحتاج إلى عمل طموح للحد من الانبعاثات وتوفير تمويل سريع لإجراءات التكيّف مع المناخ. وفي تصريح إلى «الحياة»، أوضح موناكالا جومانديكيو، وهو مسؤول أفريقيا في «برنامج الأممالمتحدة للبيئة»، بأن أهم نتائج المؤتمر تتمثّل في بدء نقاش أفريقي واسع وقوي حول قضايا وتحديات واقعيّة، تتصدّرها متغيّرات المناخ، واستعداد العالم لمؤتمر «كوب 21» باريس أواخر العام الحالي. ولاحظ جومانديكيو أن القارة السمراء اتّفقت على طُرُق التفاوض لتحقيق مصالحها وإرادتها، واستعدت أيضاً في شكل منسّق للتعامل مع الوثيقة العالميّة الجديدة عن أهداف التنمية المستدامة، وتأكيد الموقف الأفريقي على أهمية الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتنمية. وأشار إلى أن دول القارة اتّفقت أيضاً على أهمية التعاون الأفريقي لحل مشكلة التجارة غير المشروعة في الكائنات البريّة، وبدء حوار أفريقي جاد عن الاستخدام الرشيد لرأس المال الطبيعي في أفريقيا. ولاحظ أن أفريقيا تستطيع التفاوض صوتاً موحّداً في خلال قمة المناخ «كوب 21»، عبر التنسيق بين الخبراء والوزراء والرؤساء، مشيراً إلى وجود لجنة للتنسيق بين الرؤساء الأفارقة تترأسها مصر، وتتولى البت في شأن التوصيات المشتركة للقارة السمراء.