لا أعتقد أن الاحتفال بالحج أو توظيفه أدبياً يصلح موضوعاً للمقارنة، بين الحج في المسيحية والحج في الإسلام من جهة الوجود والعدم أو الكثرة والقلة. هناك نصوص سردية وشعرية عديدة في الثقافة العربية اتخذت من الحج موضوعاً لها أو فضاء لحدثها. ويأتي في مقدمة السرديات الرحلات التي دوَّنها الأدباء والمؤرخون والكتاب بمناسبة حجهم أو عمرتهم أو وفودهم إلى مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، و تمثل هذه الرحلات –على رغم مما يتصوره البعض من ضآلتها أدبياً- قيمة أدبية وجمالية إلى جانب ما فيها من قيمة تاريخية ووثائقية. ويبرز الجانب الأدبي فيما تزخر به من انطباعات وانفعالات وخيال وفي درامية التصوير وأساليب التأنق وحيوية التعبير... بحيث لا يقف القارئ لها في مواجهة نص تقريري محايد. ومن أبرز أمثلتها: إبراهيم رفعت «مرآة الحرمين» (1925) والأمير شكيب أرسلان «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف» ( 1931) ومحمد لبيب البتوني «الرحلة الحجازية» (1329ه) ومحمد حسين هيكل «في منزل الوحي» (1356ه) وإبراهيم المازني «رحلة إلى الحجاز» (1955) وبنت الشاطئ «أرض المعجزات» (1958) وعلي الطنطاوي «من نفحات الحرم» (1960)... إلخ. وهناك عدد من الروايات السعودية تحديداً التي كان الحج جزءاً من فضائها وأحداثها أو كان مكان أحداثها مكة أو المدينة على تفاوت طبعاً في نسبة حضور المكان أو الزمان المقدسين من الزاوية التي تخصه من دون غيره من الأمكنة. ولا ننسى أن من أوائل الروايات السعودية رواية أحمد السباعي «فكرة» (1948) التي يدخل الحج في أحداثها، إذ تضيع فتاة الرواية في الحج وفي خاتمة الرواية تتعرف على أهلها أيضاً في الحج. ورواية محمد علي مغربي «البعث» (1944) تأتي الفتاة الهندية التي أحبها بطل القصة إلى الحج ويتقابلان مصادفة، ورواية أحمد حوحو «غادة أم القرى» (1947) ورواية حامد دمنهوري «ثمن التضحية» (1959) ينتمي بطلها وخطيبته إلى مكة. وهكذا يمكن أن نصادف مثل هذا، عند عبدالله التعزي في «الحفائر تتنفس» (2002) ومحمود تراوري في «ميمونة» (2002) وليلى الجهني في «جاهلية» (2006)... إلخ. أما الشعر فهو حافل بالاحتفال بالحج والتغني بمكة والمشاعر، ومن يتصفح شعر أحمد الغزاوي، وفؤاد شاكر، وطاهر زمخشري، ومحمد حسن فقي، وأحمد قنديل، وحسين عرب، ومحمد علي السنوسي... وغيرهم من الشعراء العموديين فسيجد أكثر من قصيدة وأحياناً ديواناً كاملاً عن الحج أو عن مكةوالمدينة بوصفهما مكانين طاهرين، تلوذ بهما الروح من مادية الزمن وجحيمه. و الإشارات إلى مكةوالمدينة وما تفيضان به من قداسة ومعان رمزية لا يختفي في أشعار علي الدميني ومحمد الثبيتي ومحمد جبر الحربي وعبدالله الصيخان.