إنها جريمة تحقق أرباحا طائلة حتى أن الموتى يشاركون فيها. كشفت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي في العام الماضي عن أن شركة ميديكير التي تعمل في مجال التأمين الصحي دفعت ما يصل إلى 92 مليون دولار من عام 2000 إلى 2007 لخدمات أو معدات طبية طلبها أو وصفها أطباء كانوا قد توفوا في ذلك الوقت. وكان كثير منهم قد توفي قبل أكثر من خمس سنوات من الموعد الذي زعم فيه محتالون أنهم طلبوا هذه الخدمة أو صرحوا بها. ويقال إن عمليات الاحتيال في مجال الرعاية الصحية تكلف دافعي الضرائب الأميركيين مئات المليارات من الدولارات سنويا وبدأت تجذب قدرا أكبر من الاهتمام في ظل مناقشات يجريها الكونجرس بشأن إصلاح نظام الرعاية الصحية الأميركية خاصة بما أن الرئيس أوباما يريد تغطية بعض تكلفة الإصلاحات من خلال محاربة سوء الاستغلال. لكن مقابلات مع عدد من خبراء تنفيذ القانون والرعاية الصحية تشير إلى أن الرئيس ربما يشعر بخيبة الأمل. ويخشى البعض من ألا يكون التركيز على عمليات الاحتيال كافيا وأنه يأتي بعد فوات الأوان بعد سنوات من تراخي الحكومة وسلبيتها. ويقول خبراء مثل جون غيليز من مكتب التحقيقات الاتحادي إن المشكلة ظلت تسوء طوال الوقت نظرا لأن شخصيات إجرامية تجذبهم سهولة الحصول على المال والعقوبة البسيطة نسبيا جعلهم يستهدفون شركة ميديكير التي تقدم خدمات الرعاية الصحية على المستوى الاتحادي لأكثر من 43 مليونا من المسنين والمعاقين في الولاياتالمتحدة. وتشتهر فلوريدا منذ فترة بارتباطها بعصابات تجارة المخدرات والنصب السياسي والاحتيال في صفقات أراض. ويقول غيليز إن الولاية أصبحت أيضا حاليا "مركز الاحتيال في الرعاية الصحية" بما أن الكثير من الأميركيين أحيلوا للتقاعد ويفضلون تمضية أيامهم الأخيرة تحت شمسها الساطعة. ولا يمر أسبوع تقريبا إلا وتعلن السلطات في فلوريدا اعتقال مجرم آخر أو إدانة شخص بتهمة الاحتيال في مجال الرعاية الصحية والذي أصبح الاختيار المفضل للمجرمين بدلا من تجارة المخدرات. وعادة ما تتضمن قضايا الاحتيال عمليات نصب تقدر بعدة ملايين من الدولارات تتعلق بممولين وهميين للمقاعد المتحركة أو غيرها من الأجهزة الطبية المعمرة ووسائل علاج زائفة لمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) وفيروس (اتش. آي.في) المسبب له. ومضى غيليز يقول في إشارة إلى المحتالين "عندما نمنع عملية ينتقلون إلى العملية التالية مباشرة...لا أرى أن الوتيرة ستتباطأ قريبا." ويقدر مكتب التحقيقات الاتحادي أن الاحتيال يمثل ما بين ثلاثة وعشرة في المئة من نفقات الرعاية الصحية الأمريكية سنويا وقال غيليز إن تكلفته ربما ترتفع بسهولة إلى 200 مليار دولار. ويتوافق هذا بصورة كبيرة مع تقرير أصدرته طومسون رويترز في 26 أكتوبر تشرين الأول. وجاء في التقرير أنه في عام 2007 عندما أنفقت الولاياتالمتحدة نحو 2.3 تريليون دولار على الرعاية الصحية وتعاملت شركات التأمين الصحي الحكومية والخاصة مع مطالب للتأمين تقدر بأكثر من أربعة مليارات دولار كان يقدر أن الاحتيال يمثل ما يصل إلى عشرة في المئة من الإنفاق السنوي على الرعاية الصحية. وتقدر الرابطة الوطنية لمكافحة الاحتيال في الرعاية الصحية وهي منظمة تضم أكثر من مئة شركة خاصة وحكومية للتأمين الصحي أن الاحتيال يسبب خسائر قيمتها 60 مليار دولار أو نحو ثلاثة في المئة من إجمالي الإنفاق السنوي على الرعاية الصحية. لكن تقرير طومسون رويترز قال إن هذا الرقم يعتبر متحفظا. وشكلت وزارة العدل ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية قوة خاصة في ميامي عام 2007 لمكافحة الاحتيال في جنوب فلوريدا وتم تشكيل وحدات مماثلة في لوس انجليس وهيوستون وديترويت. لكن البعض يقول إنه ما زالت هناك حاجة لمزيد من الجهود فيما يتعلق باتخاذ خطوات فعالة للقضاء على الاحتيال في الرعاية الصحية الذي يستنزف موارد النظام ويرفع من أسعار التأمين. وقال بيتر بوديتي الذي يرأس قسم الإدارة والسياسة الصحية بكلية الصحة العامة في جامعة أوكلاهوما "لم نبذل في واقع الأمر كل جهودنا." ويقول بوديتي وغيره من الخبراء إنه بدون الاستثمارات الكافية على مستوى الولايات وعلى المستوى الاتحادي سيواصل المجرمون استهداف الرعاية الصحية على حساب دافعي الضرائب. وتسبب تجدد التركيز على تقرير من اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيق بمجلس الشيوخ بشأن دفع ملايين الدولارات لخدمات صحية ومعدات طبية وصفها أطباء متوفون في حرج للمسؤولين الحكوميين في الرعاية الصحية. وفي شهادة لمالكولم سبارو من كلية كنيدي للإدارة بجامعة هارفارد في مايو ايار اعتبر أن الموتى مثال صارخ لمدى الجهد الذي لا بزال لازما "من أجل استئصال سرطان الاحتيال" من الرعاية الصحية. ___________ * توم براون