تواصل السجال بين القوى السياسية العراقية على خلفية الخلاف حول قانون الانتخابات بما يهدد إجراءها في كانون الثاني (يناير) المقبل. وأشاد الرئيس العراقي جلال طالباني بقانون الانتخابات بعد التعديلات التي أجراها البرلمان عليه الاثنين، بعدما لمح نائبه طارق الهاشمي الى نقضه مرة اخرى، في حين حذرت واشنطن من تأخير موعد الانتخابات لفترة طويلة. وأفاد بيان صادر عن مكتب رئيس الجمهورية ان طالباني «اشاد بالقانون (الانتخابات) واعتبره تجسيداً لتطلعات الشعب العراقي بكل مكوناته وطيفه الوطني، وتعبيراً عما تتطلبه العدالة والتوافق الوطني وتعزيز العملية الديمقراطية». وكان الهاشمي انتقد بشدة في وقت سابق التعديل الذي أجراه مجلس النواب على قانون الانتخابات، معتبراً إيّاه «أكثر إجحافاً» من القانون الأول. وأفاد بيان صادر عن مكتبه ان الهاشمي «يعتبر قرار التعديل الذي أصدره البرلمان (الاثنين) غير دستوري ومجحف ويتناقض مع الأعراف والتقاليد السياسية التي اعتمدها مجلس النواب في تعامله مع تشريعات وطنية حساسة من هذا العيار». وأضاف ان الهاشمي «نقض القانون السابق الذي كان على رغم عيوبه (...) أكثر إنصافاً للعراقيين من القانون الجديد الذي سيتعامل معه كما تعامل مع سابقه بمنتهى المسؤولية الوطنية، حفاظاًَ على المصالح الوطنية العليا، وتكريساً للديموقراطية، وتأسيساً لدولة العدل». وأشار الى ان «التعديل (الجديد) صدر بتناقض واضح في طريقة احتساب المقاعد بين مادته الأولى والثانية، بل تضمن تغييراً في عدد المقاعد المخصصة لبعض المحافظات، وهو ما لم يرد في التعديلات المقترحة، ناهيك عن تجاهل مظلومية عراقيي الخارج، ومنهم المهجرون، وترك هذا الأمر المهم إلى المفوضية المستقلة للانتخابات في قرار هامشي غامض». ولفت الى ان «المجلس تغاضى عن إنصاف الأقليات، وفعل الشيء ذاته مع القوائم الانتخابية الصغيرة التي بات وجودها في المؤسسة التشريعية مطلوباً تكريساً للتعددية السياسية». وشدد على ان «التعديل صدر في غياب التوافق الوطني». وأضاف ان «رئاسة مجلس النواب في إدارتها المؤسفة لجلسة الاثنين تتحمل القسط الأكبر مما حصل». وحذر من ان «ما حصل يشكل سابقة خطيرة ستلقي بظلالها سلبياً على مجمل العملية السياسية» وحمّل «الذين كانوا وراء هذا التعديل غير الدستوري وغير المنصف وغير العادل تبعات ذلك». ويطالب الهاشمي بزيادة عدد المقاعد التعويضية المخصصة للأقليات والمقيمين في الخارج والقوائم الانتخابية الصغيرة من 5 في المئة الى 15 في المئة في البرلمان المقبل الذي سيضم 323 نائباً. يذكر ان المقاعد التعويضية مخصصة لتمثيل أفضل للعراقيين المقيمين في الخارج والقوائم التي حصلت على نسبة تصويت عالية محلياً وليس على الصعيد الوطني. وكان البرلمان صوّت أول من أمس على قبول نقض الهاشمي القانون وأقر تعديلين حظيا بموافقة نواب «الائتلاف الوطني العراقي» و «ائتلاف دولة القانون» و «التحالف الكردستاني» وسط مقاطعة «جبهة التوافق» و «الحوار الوطني» و «القائمة العراقية» فضلاً عن ممثلي التركمان. ويتضمن التعديل الأول إلغاء المادة 15 من القانون ويحل محلها «يتألف مجلس النواب من عدد من المقاعد بنسبة مقعد واحد لكل 100 الف نسمة وفقاً لإحصائيات وزارة التجارة لعام 2005 على ان تضاف لها نسبة النمو السكاني بمعدل 2,8 في المئة سنوياً». وينص التعديل الثاني على ان «يصوت العراقيون أين ما كانوا لقوائم محافظاتهم او لمرشحيهم على ان يشمل المصوتون خارج العراق بضوابط التصويت الخاص بالإضافة الى منح كوتا للأقليات من المقاعد المخصصة لمحافظاتهم وهم المكون المسيحي (5 مقاعد في بغداد ونينوى ودهوك وكركوك واربيل) و الايزيديين (مقعد واحد في نينوى) والشبك (مقعد في نينوى) والصابئة (مقعد في بغداد) بينما توزع نسبة 5 في المئة من المقاعد التعويضية بين القوائم بنسبة المقاعد التي حصلت عليها». وصرح النائب عمر عبدالستار، القيادي في كتلة الهاشمي «تجديد»، ل «الحياة» ان «نائب الرئيس سينقض القانون مجدداً خلال الساعات المقبلة لأن التعديلات لا تنسجم والنقض المقدم من قبل الهاشمي». وشدد على ان «البرلمان خالف الدستور والنظام الداخلي بتعديله فقرات غير منقوضة مثل المادة الثانية التي استغلها الأكراد لصالحهم». وأضاف ان «الهاشمي سيتداول مع قادة الكتل والمستشارين القانونيين قبل إعلان النقض الذي سيكون سريعاً». وصرح النائب المستقل وائل عبداللطيف بأن نقض الهاشمي سيفرض على البرلمان صيغة اكثر تعقيداً في التعديل اذا ما تم قبول النقض الثاني، مشيراً الى ان «إقرار تعديلات ستحتاج الى ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان أي 165 عضواً». وأضاف: «سندخل في دوامة طويلة مع مجلس الرئاسة من شأنها تهديد موعد الانتخابات وتأجيلها» مرجحاً «عدم قبول النقض الثاني وتمرير القانون». وحمّل عبداللطيف نائب رئيس الجمهورية «مسؤولية تقليص عدد مقاعد المحافظات العربية الشمالية لصالح المحافظات الكردية لأن الأكراد استغلوا نقض الهاشمي لصالحهم وليس لمصلحة البلاد». وكان النائب عن محافظة نينوى اسامة النجيفي اعتبر ان البرلمان ارتكب مخالفة دستورية باقراره التعديل الأخير، مشيراً الى ان اعتماد سجلات 2005 يعني أخذ أكثر من عشرة مقاعد من محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وتوزيعها على محافظات اقليم كردستان، ودعا العراقيين الى التظاهر ضد القانون المعدل الذي وصفه بأنه «جريمة كبيرة». وكان السفير الأميركي كريستوفر هيل أعلن في مؤتمر صحافي في المتحف الوطني العراقي ان «تأخيراً بسيطاً لموعد الانتخابات لن يؤثر، لكن لا نرغب في التأجيل لفترة طويلة. لذا، آمل انهم (العراقيون) سينظرون الى ذلك بعناية، وآمل ان نتمكن من المضي قدماً». وأضاف «أعتقد ان الأمر الأكثر أهمية هو إجراء الانتخابات والسير قدماً بالعملية». وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أعلنت مساء الاثنين ان بلادها «ستقدم افكاراً» للمساعدة على إنهاء التعثر. وكان رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فرج الحيدري استبعد إمكان إجراء الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني (يناير) المقبل. وكان من المتوقع أن تجرى الانتخابات بين 18 و23 كانون الثاني، لكن استمرار السجال حول القانون وتعديلاته دفع بالمفوضية الى وقف استعداداتها للانتخابات في انتظار حسم الموقف من القانون. ونظرياً يجب أن يتم إقرار القانون قبل ستين يوماً من الانتخابات، أي إن أمس هو آخر فرصة أمام النواب للتوصل الى اتفاق حتى يمكن إجراء الانتخابات في 23 كانون الثاني، وهو الموعد المقترح لها. يذكر ان الجيش الأميركي أعلن أنه سينهي العمليات القتالية بحلول نهاية آب (أغسطس) المقبل قبل أن يسنحب بالكامل من العراق بحلول عام 2012، لكنه ينتظر ليرى مدى قدرة الاستقرار الهش في العراق على الصمود بعد الانتخابات.