ليس من السهل رصد ما يجري خلف كواليس المهرجان العالمي لتسويق الفن المعاصر (المعروف باسمه المختصر «الفياك»). يرجع ذلك إلى أسباب منها أنه يجري بصيغة حدثية سريعة تقتصر عروضه دون توقف على أربعة أيام فقط، بما أنه يمثل سباقاً عولمياً من الصالات المعروفة في العالم (أوروبا والولايات المتحدة ) فاتصاله ببنوك التسليف والنقل والمزادات (رشرو درووت وكريستي وسواهما ) فهو يمثل مؤشرات بورصة عالمية في تسويق الفن الحديث والمعاصر، وبما أن تأثيره (سواء الإيجابي أم السلبي) يتظاهر متأخراً بعد فترة العرض على بقية الأسواق والصالات فإن التحليل النقدي الجاد والمسؤول لا تظهر أحكامه ومنشوراته إلا بعد أشهر، لذلك لا تقتصر حدثيته على فترة العرض وإنما على فترة ما بعده، بخاصة أن ما يشغل الجميع هو ارتباط الكساد العالمي في التسويق الفني بالأزمة الاقتصادية العالمية التي ابتدأت العام الفائت ولدرجة يربط النقاد فيها بين إعلان إفلاس البنوك الكبرى وإغلاق بعض الصالات المعروفة وهبوط أسعار فنانيها في شكل كارثي بعد أن بلغت قبل ذلك أسعارا فلكية، وأصبحت مادة خصبة للاستثمار تتجاوز ميدان الاستثمار في البناء والسكن. تشير الإحصاءات المتفائلة في سوق الفياك الأخير (الدورة ال36) إلى أن ترميم نسبة التراجع بلغت أربعين في المئة، هو ما يطمئن نسبياً أصحاب المجموعات ويحمسهم على الاقتناء وتوسيع مجموعاتهم من الفن المعاصر على رغم الحذر والخوف من فوضى جديدة. اجتمعت في هذه الدورة 190 صالة عالمية بما فيها المحلية – الفرنسية، ولكن الأجنبية ظلت كالعادة تمثل الغالبية بنسبة 60 في المئة، وبسبب هذا العدد المرتفع نسبياً فقد تشرذم العرض في ثلاثة مواقع متقاربة، أرحبها هو صالات القصر الكبير)، ثم الصالة المربعة في متحف اللوفر، تمركزت فيه صالات باريس الكبرى المدللة على غرار بوشيه وبرنار، برولي وايسير الخ.). أما الموقع الثالث في الهواء الطلق فكان مسرحه حدائق التويلري، حلقت فيه موضوعات ايكولوجية لما بعد الحداثة وكذلك الإنشاءات الأرضية المفتوحة على السماء. لم ينقطع عن هذه المواقع سوق الشراء والبيع مثل الشهيق والزفير، بما أن هيكلية السوق تعكس أحوال الأسواق العالمية فقد كانت نتائجه كما ذكرت متراشحة مع بعض المقدمات المتفائلة، مثل انتعاش مزادات عاصمة النور (مثل برجي وسان لوران) ونظيره الانتعاش التسويقي في مهرجان بال في سويسرا. وهكذا تزامن السوق مع انتعاش صالات عروض حي الشانزليزيه على رغم الطابع الاستهلاكي لبعضها. لعله من الجدير بالذكر أن مربع اللوفر عانق عدداً من الصالات الشابة التي عرضت للمرة الأولى وقدمت أسماء فنية متطرفة شابة وغير معروفة، وهنا تقع دوماً القوة الفنية أو الرائدة في أي دورة. بمعزل عن الطابع المافياوي في تأكيد بعض الأسماء وترسيخ نجوميته لأسباب سياسية أو أيديولوجية. ماذا يعني مثلاً أن تستثمر غاليري باريسية معروفة ثمانين ألف يورو أجرة «إستاند» لا يتجاوز السبعين متراً في أحسن الأحوال على رغم أن صالتها تعرض في شكل دائم في المدينة نفسها؟ لا شك في أنها الرغبة في التعرف الى زبائن جدد وإكمال قائمة أصحاب المجموعات من الأثرياء المحدثي النعمة الروس والصينيين والهنود والعرب ناهيك عن التعريف بالشخصية المتميزة في اختيارات الصالة وتوجهها الحداثي. هناك عشر صالات عريقة اقتصرت في العرض على لوحتين فقط بمواصفات متحفية (غالية الثمن)، فصالة كروجيير مثلاً اقتصرت في العرض على لوحة لبيكاسو وأخرى لبيكون. أما صالة لويس كاري فعرضت بدورها لوحتين واحدة لكوبكا والثانية لفرناند ليجية – أما الجانب الثاني الجديد في هذه الدورة فهو شراكة تشجيع «السبانسر» في التخفيف من الثمن، هو ما فعلته مؤسسة لافاييت، فقد أخذت على عاتقها جزءاً من سعر بيع الأعمال الفنية مقابل الدعاية لها.