ليس غريباً أن يرفع المهرجان اللبناني للكتاب عبارة «لا للعنف» شعاراً لدورته الرابعة والثلاثين. وأيّ أمر هو أكثر حضوراً من العنف في واقعنا الراهن؟ إنّه عنف الصورة والكلمة والسياسة... وإزاء كلّ هذا العنف، قد تكون الثقافة هي الحلّ الوحيد لمواجهة الظلامية الفكرية التي تسود عالمنا اليوم. وهذا ما تُكرّسه حركات ثقافية ومعارض فنية تلقي ضوءاً على أهمية الإبداع والفنون في بناء مجتمعات يحاول المتطرفون هدمها وتفكيك قيمها. وفي هذا السياق يأتي معرض أنطلياس للكتاب مؤكداً أنّ في غمرة زمن عربي تتآكله ثقافة الاستهلاك من جهة، والعنصرية والتشدّد من جهة أخرى، يظلّ الكتاب سفينة نجاة يمكن أن تعبر بنا دوماً نحو برّ الأمان. ومهرجان الكتاب الذي تحييه الحركة الثقافية - انطلياس كل سنة بات أحد المواعيد المهمة التي ينتظرها الكتاب والمثقفون والقراء على اختلاف انتماءاتهم ومواقعهم. ولم يبق المهرجان وقفاً على كونه معرضاً للكتب بل أصبح هو المناسبة شبه الوحيدة لتكريم اعلام الثقافة والفكر والفن والعلم في لبنان، وقد كرمت الحركة حتى الآن أسماء لبنانية مهمة وطليعية إضافة إلى بضعة أسماء عربية. وبادرة التكريم هذه هي التي ميّزت مهرجان انطلياس ناهيك عن برنامجه الثقافي الذي تفرّد به متخطياً معرض بيروت للكتاب الذي يقيمه النادي الثقافي العربي ونقابة الناشرين. هكذا اختار المهرجان، الذي تُنظمه الحركة الثقافية في أنطلياس، أن يلامس الواقع اللبناني والعربي من زوايا فكرية وأدبية، فاحتوى البرنامج على نشاطات مختلفة تصبّ في هذا المجال مثل: ندوة حول كتاب هيام ملاّط «لبنان: بروز الحريّة والديمقراطية في الشرق الأدنى»، بمشاركة الباحثين أنطوان مسرّة ومحلم شاوول، وتقديم جميل جبران (11/3). ومناقشة كتاب أنطوان حدّاد «مسيرة الانخراط في الحرب السورية» (17/3 )، بمشاركة كل من الصحافي نصري الصايغ والكاتب محمد علي مقلّد. ويتخلّل المهرجان ندوات حول أعمال أدبية وفنية توقفت عند حروب كبرى عرفتها البشرية الإنسانية، ومنها: ندوة حول رواية «الناجون» لرمزي سلامة، وهي عبارة عن شهادات من الحرب الكبرى، يُشارك فيها المترجم خاطر بو حبيب ويلما القاري وأنطوان ضومط. (14/3)، ندوة حول كتاب السيّد الراحل هاني فحص: «الشيعة بين الاجتماع والدعوة» (11/3)، وندوة أخرى بعنوان «مئة عام على المجزرة الأرمنية» تُديرها كريستين بابيكيان عسّاف، ويُشارك فيها صالح زهر الدين وجولي مراد وبولا يعقوبيان (15/3). يهتمّ المعرض، وهو يُقام في «دير مار الياس» في أنطلياس، من 7 إلى 22 آذار(مارس)، بتقديم نشاطات ومواضيع منوعة (حكايات، شعر، فن، رياضة، سينما) تهمّ مراحل عمرية مختلفة مثل نشاط «حكايات للأولاد» مع بيرا عون، لقاء مع الرياضي إيلي مشنتف عنوانه: «بين حبّ الرياضة وحلم الشهرة»، ندوة حول كتاب الشاعر هنري زغيب «في رحاب الأخوين رحباني»، إضافة إلى مساحة خاصة بالسينما من خلال عرض فيلم وثائقي قصير بعنوان «تقبّل الولد المختلف» مع الباحثة ريم عوض، عرض فيلم «الكلمة الأخيرة» للمخرج يوليوس هاشم، ولقاء مع المخرج فيليب عرقتنجي «من بوسطة إلى ميراث: رحلة في ذاكرة الوطن». وكما جرت العادة، يُكرّم المهرجان اللبناني للكتاب في أنطلياس عدداً من الوجوه الثقافية والفكرية في لبنان والعالم العربي، وتحضر هذا العام شخصيات من لبنان وسورية والعراق. ومن الشخصيات المكرّمة نذكر: الطيّب تيزيني وهو «اليساري الرافض للعنف ولحمل السلاح» كما يصفه خليفة، رئيس أساقفة كركوك والسليمانية المطران يوسف توما، المحامية صونيا إبراهيم عطيّة (بمناسبة يوم المرأة العالمي)، الأستاذان مرسال زكريّا وفؤاد الخطيب (بمناسبة عيد المعلّم)، الفنان أمين الباشا، الفنان مارون الحكيم، الشاعر شوقي بزيع، المحامي سليمان تقيّ الدين، القاضي خليل أبو رجيلي. إضافة إلى تكريم خاص لشخصيات أدبية وفكرية رحلت عن عالمنا العام الماضي، ومنها تحية للشاعر اللبناني سعيد عقل من خلال شهادات لكل من هند أديب، سهيل مطر، عبد الغني طليس، عقل العويط، عصام العبدالله، جورج مغامس، وقراءات من شعر عقل تلقيها الشاعرة فكتوريا سلموني. وتحية إلى الأديب الكولومبي الراحل غابرييل غارسيا ماركيز عبر محاضرة بالفرنسية يلقيها الأديب الكولومبي سانتياغو غامبوا، على أن يُطلق خلالها (13/3) كتاب «عشر قصائد كولومبية» (بالإسبانية والعربية).