من الصعب أن تحقق أي عصابة إجرامية نصراً على الجيوش النظامية، حتى وإن كانت هذه العصابة مدعومة من دول أخرى، كما هي الحال مع «الحوثيين» في حربهم مع الجيش اليمني. ربما يرهق «الحوثيون» الجيش اليمني ويستنزفون قدرات وطنهم وهم ينفذون أو يحاولون تنفيذ مشروع فصل العلاقات بين السعودية واليمن، الذي تحدث عنه ملالي إيران في بداية وصولهم إلى الحكم في طهران سنة 1979، لكنهم (الحوثيون) من الصعب أن يحققوا نصراً على اليمن، لأن الأوطان أكبر من العصابات الإجرامية والمتمردين الذين يتحصنون بالآمنين ويزجون بالقصّر والمشعوذين والسحرة في جبهات القتال، ويوزعون صكوك الجنة على الجهلة منهم. «الحوثيون» لديهم مشروع سياسي ترسمه لهم إيران، وهو المشروع الرامي إلى تحويل «الهلال» الشيعي (الفارسي) الذي تحدث عنه الملك عبدالله الثاني بن الحسين قبل سنوات، إلى «بدر» مكتمل، لتطويق الدول السنية العربية التي تتوجس إيران من تنامي دورها في المنطقة، وبما أن محاربة هذا المشروع يجب أن تبدأ من الحلقة الأضعف فيه، وهي هنا «الحوثيين»، فالمنطق يحتم على الدول المعنية، وهي هنا دول الخليج العربي، أن تعمل على إعادة تأهيل الدولة اليمنية لتتمكن من إخماد «التمرد الحوثي» والسيطرة على ترابها الوطني، لأن شرارة واحدة تكفي لإشعال المنطقة، وهو ما يجب أن يتفاداه العقلاء. أدرك أن الجيش الوطني اليمني قادر على سحق «التمرد الحوثي»، وهو الآن – بحسب رأيي – يعمل على استنزافه، من خلال إطالة أمد الحرب، لكن ذلك يتطلب من القيادة السياسية في اليمن أن تضحي بكثير من المشاريع التنموية في القطاعين الصحي والتعليمي خصوصاً، وكذا مكافحة البطالة، والأخيرة من شأنها – في حال عدم إيجاد الحلول المناسبة لها – أن ترفد «الحوثيين» بالمزيد من الكوادر البشرية، بما أن المال السياسي الإيراني متوافر لدى قيادات التمرد. روى لي الزميل أحمد غلاب الذي انتدبته هذه الصحيفة لتغطية الحرب في جازان ميدانياً، أن بعض من قُبض عليهم أو الذين استسلموا، كانت على بطونهم آثار كيّ (تشبه الكيّ الذي يوضع على الإبل ويعرف لدى أهل البادية بالوسم) ولما سئلوا عن أسباب هذا الكي، أفادوا بأنها درجات الجنة التي منحها لهم قادة التمرد، ولم يعد خافياً وجود «سحرة» و«مشعوذين» تسللوا إلى الأراضي السعودية لرمي بعض الطلاسم في ميدان المعركة، ربما لتعطيل «البرادلي» و«الأباتشي» وثني «سبطانة المدفعية» السعودية في الميدان، وهذا ينم عن استشراء الجهل والأمية في المناطق التي جاؤوا منها. أي جهل هذا الذي ألغى عقول القوم؟!. لا أعني بإعادة تأهيل اليمن، تحويل جزء من إيرادات نفط الخليج إلى اليمن، بل أعني أن تعمل دول الخليج على إنشاء مشاريع تنموية في اليمن، للحد من البطالة أولاً، والعمل على إنشاء مشاريع في مجالي: الصحة والتعليم، وإسناد الوزارات اليمنية المعنية بالصحة والتعليم والخدمات بمشاريع قادرة على رفع مستوى الفرد اليمني. ليس ضروريا أن يكون لدينا عشرة مصانع للصناعات البلاستيكية، لننقل أحد هذه المصانع العشرة إلى إحدى المحافظات الشمالية اليمنية، للحد من البطالة داخل اليمن ومساعدة الأسر اليمنية الفقيرة، التي تشكل خزاناً بشرياً ل«الحوثيين»، ويساعد على رفع مستواها المعيشي وبالتالي التعليمي ومن ثم إبعادها عن المعتقدات الخاطئة. بمعنى آخر، على الخليجيين أن يعملوا على تجفيف منابع الدعم البشري ل«التمرد الحوثي»، كما فعلت المملكة العربية السعودية في تجفيف منابع وتمويل الإرهاب، بعدما تمكنت اليمن والسعودية وآخرون من محاصرة «الحوثيين» براً وبحراً ومنعهم من التزود بالأسلحة. على العرب، والخليجيين منهم خصوصاً، أن يدركوا أن أمنهم من أمن اليمن، وأن اليمن واليمنيين أمانة في أعناقهم، وأن محاربة «التمرد الحوثي» وإخماده، لا تتأتى بالسلاح فقط، بل بإعادة تأهيل اليمن في المجالات كافة.