كان قراء الكاتبة أحلام مستغانمي ينتظرون رواية جديدة لها، بعد «ثلاثيتها» التي تخطت أرقام مبيعها أرقام أعمال نجيب محفوظ كلّها، قبل نوبل وبعدها. لكن صاحبة «عابر سرير» فاجأت قراءها، رجالاً ونساء، بكتاب يصعب تصنيفه، فلا هو رواية ولا مجموعة قصصية ولا مجموعة مقالات... كتاب لا هوية له، وقد يكون أقرب الى «البيان» النسوي موزّعاً على فصول. وغرابة هذا الكتاب تبدأ من عنوانه «نسيان كوم» الذي يتكئ على الشعار الإلكتروني الرائج. ولعلها قصدته لتعلن عنوان الموقع النسوي الجديد الذي أعلنت تأسيسه في هذا الكتاب. وحمل الغلاف جملة أو «إعلاناً» مثيراً مؤدّاه أن هذا الكتاب «يحظّر بيعه للرجال». وهذا الإعلان قد يكون خير مكيدة لإيقاع الرجال والنساء على السواء، فيقبلون على شرائه فضولاً ورغبة في الاطلاع على أسراره. وقد جاهرت أحلام في أحد الفصول الأخيرة أن من المفروض عليها أن تجمع أربعين ألف توقيع نسائي عبر هذا الكتاب، ما يعني أن طبعته الأولى بلغت أربعين ألفاً، وهذا رقم كان يستحيل على نجيب محفوظ ونزار قباني أ ن يحلما به. أعترف أنني قرأت هذا الكتاب أخيراً مرغماً، بعد أن ترددت في قراءته عند صدوره قبل شهرين ربما أو أكثر. وما حفزني على قراءته «القسرية» هذه، الصورة التي نشرتها مجلة «بووكز» الفرنسية التي تعنى بالكتب العالمية الجديدة، وظهرت فيها فتيات أو نسوة محجّبات ينتظرن دورهن للحصول على هذا الكتاب، وفي يد إحداهن هاتف خليوي تتلقى عبره «نصائح» أحلام مستغانمي النسوية. الصورة الجميلة هذه تدل بوضوح على حماسة النسوة والفتيات العربيات إزاء هذا الكتاب الذي يقدّم بحسب ما تقول صاحبته «وصفات للشفاء من الحبيب». ولعله فعلاً هكذا، كتاب هو بمثابة «دليل» للنسوة والفتيات، يعظهن ويرشدهن ويكيل لهن الحكم والأمثال، حتى إذا أخذن بها، استطعن أن ينجَوْنَ من أشراك الرجال وحيلهم. وتهدد الكاتبة هؤلاء القارئات، فإن لم يتعّظن فهي ستكتب كتاباً خاصاً بالرجال يحظّر بيعه لهن. قد يظن قراء أحلام مستغانمي أن هذا الكتاب ضرب من «المزاح» الذي شاءت الكاتبة الأكثر شهرة عربياً، أن تلاطفهم به وتؤانسهم و «تعابثهم»، لكنه لم يخلُ من اللهجة الحاسمة والمواقف النسوية الصارمة والحماسة النضالية، على رغم بعض «النكات» أو «اللقطات» الطريفة والساخرة التي تتخلله. وقد احتوى الكتاب على اسطوانة (سي. دي) للمطربة الشابة جاهدة وهبي، صاحبة الصوت الجميل والرصين، تؤدي فيها قصائد ونصوصاً لأحلام، عطفاً على تبني دار الآداب للكتاب والاسطوانة. ليس في الأمر مزاح إذاً. وإن أنكرت أحلام أن الكتاب ليس «مانيفستاً» نسائياً، فهي لا تنكر أنه «جردة نسائية ضد الذكورة»، وقد أذاعت في مستهله ما سمّته ال «بلاغ رقم واحد»، معلنة تأسيس «حزب جديد»، هو كما يفهم القارئ للتوّ حزب «النسيان». ولعل أجمل وصف تبتدعه للنسيان هو أنه «أفضل كريم ضد التجاعيد» واصفة الحب بكونه «أفضل عملية شدّ وجه». وعلى غرار النصائح التي وجهها الشاعر الألماني ريلكه والروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا والشاعر محمود درويش الى الشعراء والروائيين الشباب أو الجدد، لا تتمالك أحلام عن توجيه نصائحها ولكن الى المرأة، منطلقة من تمثل شخصية «المرشد العاطفي» كما تقول، لكنها تتواضع قليلاً، نافية عن نفسها صفة «الطبيب»، ومكتفية بصفة «الممرضة» التي لا تملك، كما تقول أيضاً «سوى حقيبة إسعافات أولية». ولا تغفل أحلام عن تذكير قرائها بأن روايتها «فوضى الحواس» تباع في إحدى الصيدليات مع كتب الحمية وعلاج السكري وأمراض القلب... ولا تنفي عن نفسها صفة «البصّارة» أو «البرّاجة» التي يستنجد بها الرجال (حتى الرجال) بغية «حل مشاكلهم العاطفية»، ناهيك ب «طوائف العشاق» الذين التفوا حولها لحل مشاكلهم أيضاً، كما تقول. وتروي كيف أن العشاق يتبادلون جملاً من كتبها في ما بينهم «كرسائل هاتفية»، وكيف أن حبيبة طلبت من حبيبها كتاب «عابر سرير» موقّعاً باسمها، مهراً للزواج... لا تبالغ أحلام مستغانمي في حماستها لنفسها وفي حبها لصورتها، فهي تملك جمهوراً لا يحصى من القراء. وقد تكون الكاتبة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تصبح «نجمة» عبر روايات ثلاث، وفي فترة قصيرة. لقد تخطت «نجومية» نجيب محفوظ ونزار قباني وغادة السمان ومحمود درويش، هكذا بين لية وضحاها، كما يقال. وقد زادت الحملات المغرضة والإشاعات التي واجهتها من نجوميتها هذه، ولم تؤثر فيها سلباً. أما كتابها «نسيان كوم» الذي تستعيد فيه أدوات «الحرب» النسوية التي انطفأت منذ عقود، فهو كتاب على حدة، كتاب لا يحتاج الى أي «تعليق». فهو ليس بكتاب أصلاً، وقد لا تبدو أحلام هي صاحبته. إنه أشبه ب «جردة حساب» كما وصفته، ولكن «جردة» متأخرة جداً. فاليوم، في عصر الانترنت والثورة الرقمية والعولمة باتت «المقابلة» بين «خيانة الرجل» و «خيبة المرأة» أقرب الى النزعة «الشعاراتية» المفضوحة. ومع أن أحلام ملأت كتابها هذا بما لا يُحصى من الجمل والأبيات الشعرية التي اختارتها من بطون الكتب، فيا ليتها قرأت ما كتبته الروائية الفرنسية ناتالي ساروت قائلة: «عندما أكتب، لا أكون رجلاً ولا امرأة...».