يقطع مئات الأحسائيين يومياً، المسافة الممتدة بين الأحساءوالدمام والظهران، ذهاباً وإياباً، إلى مقار أعمالهم، قاطعين مسافة تتجاوز 360 كيلومتراً، في شارع شهد خلال العقود الماضية، وبخاصة خلال ال20 عاماً الماضية، آلاف الحوادث التي تسببت بمئات الوفيات، وآلاف الإصابات، وخسائر بملايين الريالات. وأصبح مشهد الموت حاضراً في كل يوم، أمام أنظار آلاف الموظفين والموظفات، الذين يقطعون الطريق الممتد لأكثر من 180 كيلومتراً، الذي يصفه أهالي المنطقة الشرقية ب «طريق الموت»، نظراً لفقدانهم الكثير من أقاربهم وأصدقائهم في حوادث مرورية وقعت عليه. ولكن، لم تعد الحال كما هو في السابق، فقد أجبر الموت الذي يراه العابرون للطريق، الأحسائيين على تغيير عاداتهم، والتي تمثلت في عزوفهم عن سلوك هذا الطريق قدر المستطاع. فيما عبر كثير منهم خلال حديثهم ل «الحياة»، عن الهاجس الذي بدا يصاحبهم بشكل مستمر، وبخاصة بعد عمليات التطوير والصيانة التي يشهدها الطريق حالياً، التي بدأت قبل أكثر من أربع سنوات، قالوا انها «زادت في استنزاف الأرواح بشكل كبير، بسبب إغلاق المنافذ، وإنشاء تحويلات بصورة عشوائية، على أيدي عمالة لا تفقه في هندسة الطرق شيئاً». وتعرض الدكتور نبيل محمد، في منتصف شهر رمضان الماضي، إلى حادثة مرورية بالقرب من التحويلة القريبة من محافظة بقيق، نتج عنها وفاة زوجته وعاملته المنزلية. ويشير إلى أن هذا الطريق وأعمال الصيانة الطويلة، أفقدته أغلى الأشخاص على قلبه. وتساءل: «من المسؤول عن هذا الإهمال الواضح في تنفيذ المشروع. ومن يقف وراءه؟»، لافتاً إلى أنه يحاول حالياً الإقامة بشكل دائم في الدمام، «حتى لا أمر في هذا الطريق» بحسب قوله. وعبر سعيد البقشي، الذي يسكن في مدينة الدمام، فيما تعيش أسرته في الأحساء، عن حزنه لفقده بعض أفراد أسرته في حوادث، وقعت على الطريق. وأشار إلى وجود عدد من التقاطعات الخطرة على الطريق، مثل تقاطع شركة الاسمنت، وطريق العقير، الذي شهد وقوع عدد من الحوادث القاتلة. وقال: «هذه الحوادث دفعتنا إلى تقليص زيارة الأهل من مرة كل أسبوع، إلى مرة كل شهر أو شهرين». وأضاف أن «مشكلات الطريق متعددة، من بينها قربه من منطقة ساحلية، تشهد ظروفاً جوية مختلفة، كالضباب الشديد الذي يغطي أرجاء الشرقية في فترات الشتاء، بسبب ارتفاع درجة الرطوبة، ما يؤدي إلى انعدام الرؤية بشكل كامل، وتوقف الحركة المرورية، بحيث لا يمكن لمن يستخدم الطريق العبور، وبسببها تقع حوادث جماعية، كالتي وقعت العام الماضي لعشرات السيارات في وقت واحد. وكان من أسبابها الرئيسة سوء الطريق، وعدم تأهيله لهذه الظروف المناخية السيئة». وأجبرت عمليات الحفر المتواصلة، إبراهيم محمد، على العدول عن فكرة قطع الطريق بشكل يومي، والاكتفاء بالذهاب لرؤية عائلته يومي الخميس والجمعة، وهو الأمر الذي أنعكس سلباً على برنامج حياته اليومي، إضافة إلى حرمانه من رؤية عائلته خلال أيام الأسبوع. وأكد حسن بوخمسين، أن الحوادث المرورية أصبحت «شبحاً يطارد العابرين على الطريق، من خلال مشاهد الجثث والمصابين والسيارات المتصادمة، التي تكرر في شكل يومي. وزادت بعد تقليص مساحة الطريق من مسارين إلى واحد، بسبب أعمال التطوير، نظراً إلى كثافة الحركة المرورية، إضافة إلى شاحنات نقل البضائع الكبيرة، التي تتزاحم على الطريق». وأبدى دهشته وتعجبه من «قيام عمال المقاول المنفذ للمشروع بالعمل في طريق مهم وحيوي لمدة ثماني ساعات فقط، ما أدى إلى بطء في إنجازه، إذ تجاوزت أعمال الصيانة أكثر من ثلاث سنوات، على رغم كثرة مطالب مواطنين بضرورة زيادة ساعات العمل إلى الضعف، لتنفيذ المشروع في أسرع وقت ممكن». وأشار إلى أن «الجميع متعجب من صمت المسؤولين في فرع وزارة النقل في المنطقة الشرقية، وعدم ملاحظة حجم الحوادث في الشارع، ولم يحركوا ساكناً. وبقي الوضع على ما هو عليه، والطريق مستمر في حصد المزيد من الأرواح، وإحداث خسائر مادية كبيرة».