تقع مدينة دياربكر جنوب شرقي تركيا، وتبعد عن العاصمة التركية انقرة مسافة 912 كيلومتراً. ويبلغ عدد سكانها نحو مليون وثلاثمئة ألف نسمة يرتفع موسمياً، بسبب هجرة القرويين الأكراد إليها. غالبيّة سكّانها من الاكراد. ويعتبرها هؤلاء قلعتهم السياسيّة، وعاصمتهم التاريخيّة. انها مدينة الأسوار والمعابد، والأقرب لأن تكون متحفاً طبيعياً مفتوحاً للثقافات والاديان. هذه المدينة، وخلال الثلاثين سنة الأخيرة، صارت مسيّسة، وتغلغلت السياسة في كافة تفاصيل حيوات أبنائها. مدينة عتيقة جدّاً، قلّ نظيرها في العالم. يمتدّ عمرها لحوالى 8500 سنة. تعاقبت عليها 26 حضارة، ووفق بعض المصادر الاخرى 33 حضارة. يحيط بمدينتها القديمة، سور عظيم، على شكل سمكة، هو ثاني سور في العالم بعد سور الصين، يبلغ طوله 5.5 كيلومتراً. ويتراوح ارتفاعه من 12 الى 15 متراً، وعرضه 3 الى 4 أمتار. ويبلغ عدد الأبراج الموزّعة على امتداد السور، 82 برجاً. لها اربعة ابواب رئيسة: باب الجبل (باب خاربيت)، وباب ماردين، وباب الجديد، وباب روها. فيها بلدية مركزية، هي بلدية آمد/دياربكر، تتبعها أربع بلديات ضمن المدينة، هي: سور، وباغلار، وكايابنار، ويني شهير. الطموح المعاند عبدالله دمرباش (44 سنة) يحمل اجازة في علم الاجتماع من جامعة فرات في محافظة آل عزيز. في 28/3/2004 فاز برئاسة بلدية سور، وحصل على 13 ألف صوت. وفي تموز (يوليو) 2007 أقيل من العمل، بقرار مباشر من وزير الداخليّة التركي ومحكمة الجزاء العليا في أنقرة، بتهمة الاساءة للغة التركية لأنه أراد ان يضيف اللغة الكرديّة الى مجموعة اللغات المعتمدة الى جانب اللغة التركيّة، في نشاط البلديّة. وفي انتخابات 29/3/2009 فاز دمرباش ببلديّة سور بنسبة 65.6 وحصل على 32 ألف صوت. يحيل دمرباش هذا الفوز الى علاقته «الحميمة بالناس. وارتباطه بلغة الشعب وإرادته وفكره وهويته». ويضيف: ان الشعب التفّ حولي، لكوني اعتقلت على خلفيّة حمايتي للغة الكردية». وعن الاعمال التي قام بها اثناء عمله في البلدية، يقول دمرباش ل «الحياة»: «قمنا بتنظيف كل المناطق المحيطة بسور آمد من العشوائيات وفوضى الباعة المتجولين. وأعدنا ترميم الاماكن القديمة من معباد ومساجد وكنائس. ولدينا مشروع نحن الآن في صدد اتمامه، وسيكون للجانب الحضاري والثقافي المكان الأبرز فيه. حيث سنشق طريقاً يصل مباشرة بين مسجد، ودير للكلدان، ودير للأرمن، ومعبد لليهود، وبيت للازيديين وبيت للعلويين، بعد اعادة ترميمها. والهدف من المشروع، اعطاء نموذج للتعايش بين الاديان والشعوب، التي احتضنتها هذه المدينة في يوم ما. وصولاً لجعل ديار بكر مدينة للسلام والتآخي بين الشعوب». غنى الاختلاف يضيف دمرباش: «الايديولوجية الرسمية التركية قائمة على مبدأ؛ الشعب الواحد واللغة الواحدة والدين الواحد، بينما نحن، نسعى لترسيخ الحقيقة التاريخيّة لهذه الأرض، القائمة على ان تركيا ومدينة دياربكر منها، تستند لثقافات ولغات شعوب متعددة. مشروعنا الأبرز، هو ابراز التاريخ الحقيقي لهذه المدينة. وذلك بالتركيز على الحاضر والمستقبل. وتسليم التاريخ للاجيال القادمة بعيداً من التشويه والتضليل». وفي هذا السياق، يتحدّث عن أعمال بلديته بالقول: «أصدرنا أول مجلة خاصة للاطفال في تاريخ تركيا اسمها «شماموك» باللغة الكرديّة والتركيّة والعربيّة والسريانيّة الارمنيّة. وعقدنا مهرجاناً خاصاً للاطفال، بلغات عدة، دخل دورته السادسة. حيث دعي إليه الاطفال من كل انحاء العالم للتعرف على مدينتا، وخلق حالة من التواصل بين اطفال الكرد واطفال العالم. واطلقنا مشروع حكايات للاطفال على لسان الحيوانات، شبيهة بحكايات (كليلة ودمنة) لابن المقفع. ويضيف «اصدرنا كتاباً خاصاً عن العاب الاطفال باللغتين الكرديّة والتركيّة، وكتاباً خاصاً عن اغاني الاطفال. كما اصدرنا منشورات وبروشات باللغتين الكرديّة والتركيّة للمحافظة على نظافة المدينة. وللمرة الأولى في تاريخ تركيا، تمّ إجراء مراسيم عقد الزواج باللغتين الكرديّة والتركيّة في بلديتنا». وعن علاقات بلدية سور ببعض البلديات الأوروبيّة والكرديّة، قال دمرباش: «لدينا علاقات مع بلدية الباسك وغاليسيا في اسبانيا، ومع بلدية الفلامينغ في بلجيكا. ولدينا مشاريع مشتركة مع بعض البلديات في اليونان وايطاليا. ومع بلدية دهوك في كردستان العراق، وبلدية ساقز في كردستان ايران». حديقة الثقافات ويقول رزو خرزي الشاعر والكاتب في صحيفة «آزديا ولات» الصادرة في دياربكر، ل «الحياة»: «بلدية سور، هي الأكثر نشاطاً وتركيزاً على أهميّة الثقافة واللغة الكرديّة. ومثلما اشتهرت مدينة دياربكر بأسوارها وغناها الحضاري والثقافي، فأنها تشتهر بسجنها الرهيب، الذي كان ولا يزال شاهداً على مقاومات الثوار الأكراد. خصوصاً إبان انقلاب 12 أيلول (سبتمبر) عام 1980، حين أضرم القائد الكردي مظلوم دوغان النار بجسده في يوم عيد النوروز عام 1982، احتجاجاً على القمع. وقال عبارته المشهورة: المقاومة حياة. هذا السجن، آن له ان يُغلق.