قدَّم مسرح «لا سيغال» الباريسي استعراضاً حول الموسيقى الخاصة بأوروبا الشرقية والتي تتصف باللون الغجري إلى حد كبير، وتولت الناحية الغنائية من هذا العرض الشيق الفنانة الفرنسية إيزابيل جورج في رفقة أوركسترا ضمَّت أكثر من خمسين فرداً بقيادة فيصل قروي (38 سنة) بمهارة توحي بأن الرجل ينتمي إلى دولة أوروبية شرقية في الأساس. ولكن هذا الإيحاء ليس واقعياً، فقروي مولود في الريف الفرنسي من أب تونسي وأم فرنسية وهو بمنتهى البساطة يتمتع بموهبة فنية فذة منذ طفولته تجعله يتأقلم مع كل الأنواع الموسيقية بلا استثناء والانغماس فيها في شكل سريع من دون الحاجة إلى تدريبات كثيرة. أما عن الأوركسترا التي قادها قروي في هذا العرض المسمى «رابسودي» فهي «أوركسترا بو بيارن» الفرنسي الريفي الخاص بمدينة بو، وهي من أشهر الفرق الموسيقية الفرنسية ويأتي وراء أوركسترا باريس مباشرة، ويديرها قروي منذ عام 2001، لسبب واحد هو إخلاص الفنان لمسقط رأسه. درس قروي الموسيقى في معهد مدينة بو وبعد تخرجه بدرجات متفوقة جاء إلى باريس والتحق بكونسرفاتوار الموسيقى الذي لا يقبل سوى عدد محدود جداً من الطلاب في كل عام، وتخرج منه الأول على دفعته بشهادة تقدير مميزة كقائد أوركسترا ساعدته في الحصول الفوري على عروض عدة لقيادة فرق موسيقية في فرنسا وخارجها، لكنه لم يترك تفوقه المميز «يدير رأسه» وفضل تعلم أصول مهنته من أسفل السلم فراح يسعى إلى العمل كمساعد لأحد أكبر قادة الفرق الموسيقية وهو ميشال بلاسون، ونجح في سعيه لما عثر فيه بلاسون من قناعة وتواضع. وبعد ثلاث سنوات من العمل المباشر مع هذا المعلم المرموق، بدأ قروي يطير بجناحيه فتولى الإدارة الموسيقية لفرق عدة واضعاً دائماً في المقدمة رغبته الماسة في كسر القواعد المفروضة والتمتع بحريته الشخصية مهما كان ثمنها غالياً، فهو لم يقبل الدخول إلى دنيا الإدارة الموسيقية مثلما يدخل غيره إلى مجلس إدارة مؤسسة تجارية، ومعنى ذلك أنه رفض الروتين واختار المجازفة. وهكذا علم قروي الموسيقى في المدارس والجامعات وراح يحيي حفلات في السجون من أجل الترفيه عن المحبوسين. وفي يوم ما، بعدما اختار قروي أن يدير أوركسترا «بو بيارن» التابع لمسقط رأسه وأن يرفعه إلى القمة، تلقى أغرب العروض من فرقة «نيويورك سيتي باليه» (فرقة باليه مدينة نيويورك) ذات الشهرة وتلخص العرض في توليه الإدارة الموسيقية لهذه الفرقة كلما قدمت عروضها في نيويورك أو خارجها علماً، أنها تطوف العالم ببرامجها الاستعراضية في شكل دوري. أصابت الدهشة قروي المعروف بتواضعه، أمام هذا العرض لأنه لم يكن يدري بأن إدارة مثل هذه الفرقة العريقة سمعت عنه أو حتى تعرف من هو، ولكنه عرف كيف يضع قناعته جانباً وينتهز هذه الفرصة الاستثنائية من دون تردد، الأمر الذي يجعله منذ ثلاث سنوات يجول في العالم سواء على رأس أوركسترا «بو بيارن» أو فرقة باليه نيويورك. ووسط كل هذه النشاطات عثر قروي أخيراً على الوقت اللازم للمشاركة في استعراض مسرحي قدمه صديقه الممثل الفرنسي الجزائري الجذور إسماعيل، والذي هو عبارة عن تحويل مسرحية كلاسيكية إلى عرض موسيقي راقص وطريف.