في الولاياتالمتحدة تجري نقاشات أساسية، كثير منها يتعلّق بالدول العربية، خصوصاً بسبب قوة المثال الأميركي ومسار العولمة. إلاّ أنها لا تصل الى الجمهور العربي، ما يثير سؤالاً عن سبب هذا الغياب. وتزيد حدّة السؤال إذا تذكّرنا القوة التي ينتقل فيها كثير مما يجري في بلاد العم سام الى العالم العربي. الأمثلة لا تحصى، وبعضها يستحيل نقاشه راهناً. لماذا لا تصل النقاشات الأميركية عن ضرورة تعميم المعرفة في عصر الانترنت، وكذلك عن دور الدولة في توفير المعلومة على الشبكة الالكترونية، باعتبار أن ذلك التوافر بات جزءاً من حقوق المواطن المعاصر؟ وإبان رئاسة بيل كلينتون، في مختتم القرن الماضي، دار صراع هائل في أروقة السياسة الأميركية، خاض فيه الكونغرس والإدارة معركة هائلة، دارت حول ضرورة إتاحة الدوريات العلمية (خصوصاً الطبية) للوصول العام والمفتوح للأميركيين ولجمهور الانترنت عالمياً. وحينها، وقف الحزب الجمهوري مدافعاً عن حقوق الدوريات العلمية الورقية المشهورة، مثل "ساينس" و"نايتشر"، في الحصول على أرباح مما ينشرون، باعتبار أن ذلك جزء من حرية رأس المال. ووقف الحزب الديمقراطي، خصوصاً الرئيس كلينتون، موقفاً مغايراً كلياً. وساند حركة قادها البروفسور هارولد فارمُس، مدير "المعاهد الوطنية للصحة" حينها، طالبت بوضع المقالات العلمية على الإنترنت، بطريقة الوصول المفتوح open access، مع السماح بمضي وقت لا يزيد عن الستة شهور بين نشر تلك المقالات في الدوريات الورقية وبين إتاحتها للعموم على الانترنت. يصعب في مقال صغير سرد قصة ذلك الصراع الهائل، ولا بسط تشابكاته المعقدة، ولا حتى النتائج التي أفضى إليها. (من المستطاع الرجوع الى كتاب البروفسور فارمُس "فن العلم وسياساته" لاستزادة عن ذلك الصراع). ولكن، لماذا لم يصل شيء من ذلك الى العالم العربي، على رغم كثافة ما وصل إليه من النقاشات و"التفاصيل" (حتى المُحرجة) التي شهدتها حقبة كلينتون. ما هي مناسبة هذه الاستعادة؟ لأنه أمر لا يتوقّف عن التكرار، على رغم كثرة من يدّعون "التماثل والاقتداء" بالمثال الأميركي! من المستطاع إيراد ما لا يحصى من الأمثلة، ربما أخرها إقرار قانون جديد للرعاية الصحية في الولاياتالمتحدة، والذي لم تستفض الألسنة التي تدعي أنها "متأمركة" فيه، بل أن ما قالته عن ذلك الأمر الحيوي أقل مما قد يصل مشاهدي السينما إن شاهدوا فيلم "ميدك" للمخرج المثير للجدال مايكل مور. وللكلام بقية.