تختلف الصورة في أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت في الأيام القليلة الماضية عن سابقاتها. فعلى مختلف المفارق وتقاطعات الطرق ينتشر عناصر قوى الأمن الداخلي، ينظمون السير ويطلقون صفاراتهم ولا يتوانون عن رفع دفاترهم وتنظيم محاضر الضبط في حق المخالفين. كما أضحى مشهد درّاجي قوى الأمن الداخلي والدوريات السيّارة أمراً شبه مألوف في يوميات أهل الضاحية. المشهد المستجد لا يمكن المرور به مرور الكرام، نظراً الى الخصوصية الأمنية التي كان «حزب الله» - الحزب الفاعل في الضاحية - يميز بها منطقته بحجة ما اصطلح على تسميته «أمن المقاومة». وهذا الأمن نفسه ألقى على عاتق «حزب الله» مهمة إرساء الأمن في الضاحية وصولاً الى تنظيم السير التي كان يتولاها عناصر منه بملابسهم الكاكية وقبعات وعبارة «انضباط» على ستراتهم. لكن ما الذي طرأ وأحدث هذا الفارق بين مشهد الماضي ومشهد الأمس القريب؟ وهل وصل الوضع الأمني فعلاً الى حد من الاهتراء يصعب على الحزب وحده ضبطه فطلب التدخل الامني، أم أنه أراد أن «يورط» معه القوى الأمنية في مهمة تنظيم الأمن داخلياً والتي قال أحد أبرز السياسيين عنها سابقاً أنها «قميص وسخ»؟ وهل حملة «النظام من الإيمان» التي أطلقها الحزب قبل نحو أسبوعين هي المخرج له أمام «أهله» لرفع يده من مهمة الأمن داخلياً لمصلحة القوى الأمنية؟ قبل نحو أسبوعين حصلت اجتماعات عدة بعيداً من الأضواء بين الفاعلين في الضاحية. الاجتماع الأبرز ترأسه رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحضره عن حركة «أمل» النائب علي حسن خليل وأحمد بعلبكي، وعن «حزب الله» المعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل والنائب علي عمار ومسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا. في الاجتماع، بدا واضحاً أن ثمة شعوراً بأن الوضع الأمني في الضاحية - وعلى رغم ما فيه من سيئات - متجه صوب الأسوأ، وأنه لا يمكن لهذه الأطراف أن تقبل باستمرار حال الفلتان الأمني والفوضى وامتدادها، وأن تتحول الضاحية الى ملجأ للعصابات ووكر للمخدرات وترويج العملة المزيفة، على اعتبار أن هذه الظاهرة تهدد بالدرجة الأولى أمن المقاومة واستقرارها في المحيط الذي تعيش فيه. وكان إجماع على أن الفلتان الأمني وسيادة الفوضى لا يمكن أن يتحمل تبعاتهما أي من المعنيين في شأن الضاحية. وتقرر في الاجتماع أن من غير الجائز توفير الحماية أو الغطاء السياسي لأي مخالف مهما علا شأنه، خشية أن يستفيد من هذا الوضع المتربصون بالمقاومة وأمنها، فيستغلون هذه الثغرة لاختراق بيئتها الاجتماعية. وشدد المجتمعون على ضرورة محاصرة هذه الآفة الاجتماعية وضربها. بعد هذه الاجتماعات، جال وفد من «حزب الله» ضم عمار وصفا ورئيس بلدية الغبيري سعيد الخنسا على وزير الداخلية زياد بارود والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وأبلغهما استعداد الحزب لأي مساعدة وتنسيق مع القوى الأمنية، وتوفير التسهيلات لالقاء القبض على أي مطلوب في الضاحية. وكانت الرسالة الأهم أن «ليس هناك مناطق مقفلة أمام القوى الأمنية، ويمكنكم الدخول الى كل المناطق من دون تحفظ ونحن حاضرون للمساعدة». كما كانت أيضاً حملة «النظام من الإيمان» التي حث عبرها الحزب أنصاره على التعاون مع القوى الأمنية. الرد الأمني في المقابل كان على قياس الطلب. إذ كشف وزير الداخلية اللبناني زياد بارود أمس، ل «الحياة» عن «مزيد من الإجراءات الأمنية لضبط الأمن والمخالفات في المناطق كافة وليس في الضاحية وحدها، لأن الأمن وحدة لا تتجزأ». وأكد أن «هذا خيارنا وقرارنا ولا عودة عنه والقوى الأمنية في جاهزية تامة»، لافتاً الى وجود «تعاون مع كل القوى الأمنية في الضاحية وغيرها»، ومشدداً على أهمية «التنسيق» لحفظ الأمن في الضاحية. أما المدير العام لقوى الامن الداخلي، فجدد تأكيد ما كان قاله بارود أمام وفد «حزب الله» من أن «لا حدود لتعزيزاتنا الأمنية في الضاحية إذا اقتضى الأمر ذلك، ونحن واثقون بأن التعاون (مع القوى المحلية) جدي، وقد بدأت نتائجه تظهر على الأرض». بدوره، أعلن مصدر أمني رفيع ل «الحياة» أن «لا تمييز بين المناطق اللبنانية كما بين اللبنانيين، والمجموعات المتسببة بانتشار الفوضى سيتم التعاطي معها بشدة». وأشار إلى أنه «تم تعزيز القوى السيارة والمخافر في الضاحية ب250 عنصراً إضافياً، عدا عن التعزيزات السابقة». وأضاف المصدر ذاته أن «التنسيق بين القوى الأمنية و «حزب الله» في الضاحية ظاهر ومستمر، وارتياح القوى الأمنية في المنطقة يظهر بوضوح، إذ تقوم بمهماتها على اكمل وجه، وتسير دوريات في شكل مستمر»، ولفت الى أن «الوضع النفسي جيد. وابرز دليل توقيف 1250 دراجة من دون إشكال يذكر». وقال: «نحن قادرون على تقديم نموذج أمني وهو أمر تحتاج إليه القوى المحلية»، مشيراً الى «خطة بإشراف بارود رفعها قادة قوى الأمن الداخلي، تخص التعاطي مع أوكار المطلوبين الأساسيين والذين علينا أن نهاجمهم لا أن ننتظرهم». وأعلن المصدر أن نتائج الخطة الأمنية في الضاحية «بدأت تظهر على الأرض. والآن اتفق على وقف مخالفات البناء، تمهيداً لإيجاد حل جذري لهذا الملف»، لافتاً الى أنه «عندما يضبط الأمن في الضاحية ينعكس ذلك على مختلف المناطق اللبنانية، إذ عندما يشعر السارقون الذين اعتادوا اللجوء الى الضاحية أن هذا الملجأ لم يعد متاحاً، سيؤدي ذلك الى ارتياح أمني». جدول مقارنة الى ذلك، يظهر جدول المقارنة الذي أعدته المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن ثمة انخفاضاً ملحوظاً في نسبة الجريمة والسرقات. وقال ريفي: «دخلنا مرحلة تختلف سياسياً وأمنياً عما سبقها»، مشيراً الى أن «حملاتنا لتطويق الدراجات النارية غير القانونية في بيروت سجلت بين 19 تشرين الأول (أكتوبر) حتى 14 الشهر الجاري، 17311 دراجة ما عدا الضاحية». وأضاف: «منذ 10 تشرين الاول الماضي ضبطنا في الضاحية وحدها 1253 دراجة من دون أي اعتراض إلا حادثة واحدة في اليومين الاولين للخطة الامنية، رفضت التوقف لكن الأمر عولج فوراً». وبحسب الجدول الذي سجل الحوادث بين الأول من تشرين الأول الماضي و14 منه، وبين الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي و14 منه، سجل في الشهر الماضي سرقة 75 سيارة مقابل 52 سيارة للشهر الجاري. واستعادت القوى الأمنية الشهر الماضي 28 سيارة، مقابل 38 سيارة الشهر الجاري. كما سجل انخفاض في نسبة السيارات المسلوبة، اذ سجل الشهر الماضي 6 عمليات سلب، والشهر الجاري 3 فقط. وأحبطت خلال الشهر الماضي عملية سرقة واحدة، فيما أحبطت عمليتان خلال الشهر الجاري. وعن عمليات سلب الاشخاص، سجل التقرير 35 عملية الشهر الماضي، مقابل 25 الشهر الجاري. اضافة الى 41 حادثة نشل الشهر الماضي، مقابل 32 حادثة للشهر الجاري. الا انه سجل تقدم على صعيد سرقات مختلفة بين منازل ومحلات بين الشهر الماضي 74 عملية، والشهر الجاري 78 عملية. وسجلت حادثتا قتل في كل من الشهرين. وعن حوادث السير سجل التقرير 137 حادثة الشهر الماضي، نتج منها 22 وفاة و178 جريحاً، بينما شهد الشهر الجاري 100 حادثة سير نتج منها 13 قتيلاً و125 جريحاً. وتم توقيف 655 مطلوباً الشهر الماضي، أما الشهر الجاري فجرى توقيف 637 مطلوباً.