1. «نأسف لأن العدد اكتمل في جميع المواد!». 2. «مرحباً بكم في التواصل الإلكتروني! الاستعانة بالمذكرات والكتب مسموحة، لكن ممنوع سؤال الآخرين!». 3. «بفضل الله وعونه ليست لدي هذا العام ولا حتى نصف ساعة شاغرة». 4. «نفدت كتب اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والعلوم والرياضيات. نتوقع دفعة جديدة الأسبوع المقبل». 5. «ثانك يو إتش وان إن وان إيه!» الأولى عبارة كتبها القائمون على مركز دروس خصوصية في حي مدينة نصر بعدما فوجئوا بالعشرات من أولياء الأمور يودون حجز أماكن لأبنائهم وبناتهم. والثانية عبارة ترحيب وتحذير أرسلتها معلمة العلوم لطلابها في الصف الثالث الإعدادي لتخبرهم بأن العلاقة بينها وبينهم تحولت إلى الفضاء الإلكتروني ومحذرة إياهم من الاستعانة بالآباء أو الأمهات في حل الامتحانات، وحفظاً لماء الوجه سمحت لهم بالاستعانة بالكتب والمذكرات لأن ذلك حادث لا محالة. والثالثة هي الجملة التي يرددها مدرس اللغة العربية للمرحلة الإعدادية كلما سأله أحدهم عن إمكان تخصيص ساعة لابنه أو ابنته. والرابعة هي الرد الذي يقابل به غالبية من يسألون عن كتب خارجية تباع في المكتبات كنوع من مساعدة الطلاب في فهم المناهج المدرسية. أما الخامسة والأخيرة فهي كلمات كتبها طلاب إحدى المدارس الخاصة التي أغلقت أبوابها الأسبوع الماضي بقرار رسمي بعد ظهور حالات إصابة ب «أنفلونزا الخنازير». المشهد العام الحالي فريد من نوعه. يقول جميل سعد (83 سنة): «على مدى سنوات عمري لم أر شيئاً مثل ما يحدث هذه الأيام. أفتح النافذة في العاشرة صباحاً، فأفاجأ بأطفال وصبية في عمر المدرسة يملأون الشارع صياحاً ويلعبون كرة القدم، على رغم أنه في هذا التوقيت يفترض وجودهم في مدارسهم. أمر على أحفادي فأجدهم مسمرين أمام شاشة الكومبيوتر يحلون امتحان الشهر. أطلب من البواب أن يرسل لي ابنه يشتري لي بعض الحاجات من السوق، فيطلب مني الانتظار لحين انتهاء درس الرياضيات في القناة التعليمية التلفزيونية. إنها ظواهر غريبة حقاً». الظواهر التي رصدها الجد هي تحولات فرضها فيروس إنفلونزا الخنازير على المشهد التعليمي هذا العام. فبعد إغلاق عدد من المدارس وعشرات الفصول المدرسية وتعطيل الدراسة في أقسام من بعض الكليات الجامعية التي ظهرت فيها حالات إصابة مؤكدة بفيروس إنفلونزا الخنازير، جاءت تصريحات كثيرة أطلقها مسؤولو وزارة التربية والتعليم تؤكد أن هناك نوعاً من التساهل الضمني مع حالات الغياب عن المدارس، لا سيما أن هناك مناشدات رسمية بأن كل من تظهر عليه أعراض دور برد أو إنفلونزا عليه ملازمة البيت والخضوع للتعليمات الخاصة في هذا الصدد. وأضيف إلى هذا التساهل توالي قرارات إغلاق المدارس والفصول التي نشطت عدداً من العمليات التعليمية الموازية. مراكز الدروس الخصوصية التي لم تعد تعمل في الخفاء إبان محاربتها من قبل وزارة التربية والتعليم رفعت شعار «كامل العدد» هذه الأيام، بعدما هرع إليها آلاف الطلاب والطالبات حتى أولئك الذين لم يتعودوا على الدروس الخصوصية. يقول آدم صبري (17 سنة) وهو طالب في الصف ال11 في الثانوية البريطانية: «كنت حتى العام الماضي أعتمد على السناتر (جمع سنتر) في بعض المواد التي لا يمكن الاعتماد فيها على شرح مدرس المدرسة فقط، ولكن هذا العام اضطررت إلى حجز جميع المواد، وحسناً فعلت، إذ أغلقت مدرستنا أبوابها قبل أيام». مبدأ «فيروس قوم عند قوم فوائد» لا يقتصر فقط على مراكز الدروس الخصوصية «المحظورة» رسمياً والمعتمدة شعبياً، فالأساتذة يعيشون أزهى وأنشط عصورهم المهنية، وذلك بعدما تهافت عليهم أولياء الأمور الذين وجدوا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه بعد إغلاق بعض المدارس، وتقليص اليوم الدراسي في بعضها الآخر. ففوجئ الآباء بامتداد عطلة الصيف إلى أجل غير مسمى لكن مع فارق بسيط وهو مطالبتهم بلعب دور المدرس البيتي، إضافة إلى أدوارهم الأخرى. يقول هشام صفوت (42 سنة): «كنت ألعب دور الأب والمربي والممول، ثم قرر المخرج أن يضيف إلي دور المدرس بعد إغلاق المدرسة». ويضحك بحنق وغيظ شديدين ويضيف: «يعني أصبحت مسيطراً على المشهد كله من الألف إلى الياء». مشهد آخر خضع لعملية تجميل شاملة بفعل رعب إنفلونزا الخنازير وهو القنوات التعليمية التلفزيونية التي تشهد انتعاشاً وإقبالاً غير مسبوقين هذه الأيام، بعد ما تحولت إلى منبر لشرح المناهج لكل المراحل الدراسية، لا سيما للطبقات الرابضة في أسفل الهرم الاجتماعي. محمد سليمان (39 سنة) عامل بسيط وأب لثلاثة أبناء في المرحلتين الإعدادية والإبتدائية. يقول: «مدارس الأولاد لم تغلق أبوبها بعد، لكن المدرسين «يكلفتون» – أي لا يدققون في الشرح لأن اليوم الدراسي أصبح مضغوطاً، ودخلي لا يكفي للدروس الخصوصية، أما موضة التعليم من طريق الإنترنت التي يتحدثون عنها هذه الأيام فشيء مستفز لأن بيتي لا يوجد فيه خط هاتف أرضي من الأصل، لذلك حين علمت بأمر القنوات التعليمية أصبحت أجبر الأولاد على الجلوس أمامها وتدوين المحاضرات حتى يستعينوا بها». سيطرة إنفلونزا الخنازير على المشهد الدراسي هذا العام لا تخلو من أثر جانبي أيضاً على النواحي الترفيهية. فالأماكن المعروفة بخلوها من الصغار والمراهقين أثناء اليوم الدراسي صارت تعج بهم على مدار اليوم كالمراكز التجارية والحدائق وملاعب النوادي الرياضية التي تشهد إقبالاً شبابياً طيلة أيام الأسبوع حالياً. مجدي سلامة مراقب أمن في أحد النوادي الرياضية الراقية يقول بأسى: «كنا ننتظر بدء العام الدراسي بفارغ الصبر حتى نرتاح من عناء مراقبة أبناء الأعضاء وحمايتهم، لكننا هذه الأيام نشعر أننا ما زلنا في العطلة». ويشير بيده إلى ملعب كرة القدم حيث مجموعات من الصبية والشباب تلعب مباريات تملؤها الحماسة وحولهم جماهير من المشجعين من الفئة العمرية نفسها، ويقول: «كل أولئك طلاب مدارس وجامعات، ومدارسهم إما أغلقت أبوابها، أو هم متغيبون ويتحججون بالإصابة بدور برد حتى يرعبوا الإدارة التي لن تطالبهم بالمجئ من باب ابعد عن الشر وغن له».