لو ترك رجب طيب أردوغان الأمر لمن اكتوى بنيران تلك الحرب القذرة، من بسطاء الأكراد والأتراك، لكانوا أخمدوها، منذ أمد! لكن أردوغان يحسب ألف حساب ل «باءات» ثلاث، هي: باشبوغ (قائد الأركان العامّة)، باختشلي (زعيم حزب الحركة القوميّة المتطرّف)، بايكال (زعيم حزب الشعب الجمهوري، الأتاتوركي)، ولا يحسب أيّ حساب لعدد التوابيت الآتية من الجبال، منذ 25 سنة! غريبٌ أمرُ هذا الرجل!. قال: إنَّه «الانفتاح» على الأكراد. ثم حذف كلمة الأكراد، وجعلها «الانفتاح الديموقراطي»، ثمّ سمّاه «مشروع الوحدة الوطنيّة والقضاء على الإرهاب»! لكن حلّ قضيّة كبيرة وتاريخيَّة، من طينة القضيَّة الكرديَّة، يلزمه قادة كبار وتاريخيون. لقد فشل أردوغان في الامتحان، وظهرت بطانته القوميّة!. وكذا حال الساسة والكثيرين من المثقفين والإعلاميين الأتراك. فشلوا في امتحان إنقاذ تركيا من مآزقها وأوهامها. فتركيا في حاجة الى نسق من المثقفين من طينة مثقفي عصر النهضة والتنوير في اوروبا الذين واجهوا سلطة الكنيسة، كي يواجهوا سلطة من يتاجر بالإسلام وبالعلمانيّة و «الكماليزم» عندهم!. فلا الحكومة إسلاميّة، ولا الذين يزعمون أنهم كماليون وحماة الدولة والعلمانيّة، أوفياء لتراث مصطفى كمال باشا الذي قال: «سلام في الوطن، سلام في العالم». إنهم يخافون من تسليط الضوء على أرشيف مصطفى كمال، بخاصّة في ما يتعلّق بالحقوق الكرديّة، ومن الأكراد، حين يصعدون الى الجبال، وحين ينزلون منها. في تركيا شيء يمكن تسميته «الكرد - فوبيا». والأنكى من ذلك أن الأتراك يعشقون التاريخ الى درجة العبادة. لكنهم لا يأخذون الدروس والعبر منه!. هم يعرفون أنهم لم يكن لهم أن يحققوا أمجادهم لولا وقوف الاكراد الى جانبهم. ففي بناء السلطنة وبناء الجمهوريّة، كان الأكراد سند الأتراك!. لكنهم الآن، يخافونهم ويريدون شحن وحقن الشارع التركي بالنزوع الشوفيني والعنصري ضدّهم، ثمّ يتّهم أردوغان حزب المجتمع الديموقراطي بما يفعله هو!. فحين يقال لهم: أنتم في حاجة الى مصالحة وطنيَّة، يجيبونك منكرين: «وهل تركيا كانت تعيش حرباً أهليَّة، حتَّى نحتاج الى مصالحة وطنيَّة»؟!. لكن ماذا عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص، وأضعافهم من المعوقين، وأضعافهم ممن ذاقوا مرارة السجون والاعتقال والتعذيب، وأضعافهم ممن هُجِّروا وشُرِّدوا...، ناهيكم عن تدمير 4500 قرية كرديَّة، وخسائر ماديَّة تتجاوز ال 500 بليون دولار...، هذه الفاتورة الفلكيَّة لم تدفعها تركيا نتيجة إعصار او زلزال وفيضان...الخ!؟. هذه الفاتورة حصيلة حرب قذرة، لا تزال تدور رحاها منذ 25 سنة، وتهرس الأكراد والأتراك، وتهدد حاضر ومستقبل تركيا في الصميم. ثم إن محور أردوغان - داوود أوغلو لا يريد ازعاج العسكر، وصولاً الى تحقيق الاحلام، ولو كان الثمن جثّة تركيا!. فما أحوج ساستها وعسكرها وإعلامييها الى ذلك الطفل، ذاك أن تركيا، بمعيّة حكومة أردوغان والمؤسّسة العسكريّة، ستكون على موعد مع مخاطر وأهوال جمّة، قد لا تُحمدُ عقباها، أقلُّها، العودة بها وباقتصادها ونسيجها الوطني عشرات السنين إلى الوراء. * كاتب سوري.