كما حال السياسة العربية، فإن المواجهات الرياضية العربية، وخصوصاً في كرة القدم، مليئة بالمعضلات والمشاكل والخلافات. ما إن تضع القرعة فريقين عربيين في مجموعة واحدة في أية تصفيات أو بطولات قارية أو دولية، إلا وتبدأ أجواء «أم المباريات». ولأن السياسات العربية التي يديرها الحكام والأنظمة والمؤسسات الرسمية ضعيفة، ودائماً ما تسبب غضب الشعوب التي وصل بها الحال إلى درجة الانفصال عن كل ما هو سياسي، فإن التصريحات الرسمية التي تحمل قدراً كبيراً من المجاملات على خلفية المعارك الرياضية العربية لا تتمكن من نزع الفتيل الذي يشعل الكراهية بين الشعوب التي لا تثق أصلاً في السياسيين. والشعوب هجرت السياسة إلى كرة القدم حيث تعوض عن معضلاتها مع السياسيين. الحالة الأبرز التي شغلت كل الأوساط خلال الأيام الماضية تتعلق بمباراة مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم المقررة في جنوب أفريقيا 2010، والتي جرت أول من أمس السبت وانتهت بفور الفريق المصري بهدفين نظيفين ليجبر منافسه الفريق الجزائري على خوض مباراة فاصلة بعد غد الأربعاء على ملعب «نادي المريخ» في مدينة أم درمان السودانية. فالأجواء التي سبقت المباراة وستستمر حتى يوم الفصل في أم درمان أظهرت شعبي البلدين وكذلك المسؤولين وكأن الجميع اختاروا تلك المواجهة عن سابق إصرار، فخرجت الأمور عن كونها مباراة مصيرية لكلا الفريقين والشعبين إلى معركة غير رياضية مورست فيها كل الوسائل التي لا تستخدم إلا بين الأعداء في معارك لا تعرف الروح الرياضية أو أي روح أخرى، وهكذا فإن السودان الذي اضطلعت دول عربية عدة بجهود لحل مشاكله السياسية وجد نفسه وقد تحول مسرحاً لمعركة كروية عربية لا بد أن تحسم على أرضه. وفي حين يختار الرسميون العرب معاركهم مع بعضهم بعضاً أو على الأقل فإنهم يختارون الدخول فيها بحسب مصالحهم، فإن الفرق الرياضية العربية لا تختار أبداً أن تواجه بعضها، إلا في المباريات الودية التي تخلو من المنافسة أصلاً. فلا الفريق المصري اختار المنتخب الجزائري لكي ينافسه على بطاقة التأهل للمونديال، ولا المنتخب الجزائري فضل الفريق المصري على غيره من الفرق الأفريقية كي ينتزع منه فرصة الذهاب إلى جنوب أفريقيا. فالقرعة هي التي تكفلت بوضع الفريقين العربيين في المواجهة، لكن تعامل وسائل الإعلام في البلدين والرياضيين وجماهير البلدين مع المباراة جعلنا نشعر وكأن هدف كل فريق هو حرمان الفريق الآخر من الوصول إلى الحلم المونديالي وليس منافسته على التأهل، وأن البلدين اختارا المواجهة ولم تُفرض عليهما. وبات كل طرف يرصد مواقف الأطراف المحيطة بالمباراة ليحدد كيف سيتعاطى معها مستقبلاً بحسب ما طرحته من آراء أو أمنيات بالنسبة الى المباراة! وقررت مؤسسات وهيئات معاقبة فنانين وفنانات ظهروا على الشاشة وتمنوا فوز هذا الفريق وعبروا عن تعاطفهم معه، فيما غلبت نظرية المؤامرة على الجميع وانعدمت الثقة بين كل الأطراف ليحتكم الكل إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي ينصاع الرياضيون لأوامره، تماماً كما حال الخلافات العربية التي صارت المحافل والهيئات الدولية أماكن لحلها أو فرض حلول لها بعدما عجز السياسيون العرب عن تفادي افتعال المشاكل أو حلها. الملفت أنه في اليوم الذي شهد مباراة مصر والجزائر جرت منافسات على بطاقتين أخريين للمونديال كانت تونس والمغرب تتنافس فيهما مع نيجيريا والكاميرون، لكن يبدو أن المنافسين فريقان غير عربيين فإن الروح الرياضية سادت وخسر العرب ممثلين في المونديال من دون الصخب نفسه الذي غلف التنافس المصري – الجزائري. لكن ستبقى «المعارك» العربية في مختلف المجالات انعكاساً لأحوال السياسة التي تسير إلى الخلف. المهم أن العرب ضمنوا ممثلاً لهم في المونديال الكروي بعد خروج تونس والمغرب ومن قبلهما البحرين، وسيساند العرب ممثلهم في الشوارع وأمام الشاشات لكنهم سيعودون إلى وضعهم الذي صار اعتيادياً وسيتعاركون عند أول مواجهة بين فريقين منهم في «أم المباريات».