حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تتجلى في جعل العلم خط الدفاع الأول، فالعلم هو السلاح الحقيقي الفَعّال لمحو الفكر الضال، وتحقيق النقلات الحضارية في مسيرة الحياة الإنسانية، فكانت بعثات خادم الحرمين الشريفين بالأعداد الكبيرة الهائلة من الطلاب «بنين وبنات» لطلب العلم واكتساب المعرفة، في زمن العلم والمعرفة، إذ لا مكان الآن للجهل والجاهلين في عصر السماوات المفتوحة. وجاء هذا الصرح الكبير «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية» تتويجاً لجهوده المباركة، هذه الجامعة التي تُعنى باستقطاب العلماء وتوظيف العلم في البناء الحضاري على أرض هذه البلاد المباركة وفي العالم قاطبة، والتوظيف الصحيح للعلم كفيل بإذن الله بالقضاء على أشكال الإرهاب كافة، أو التطرف، أو التزمت، والجهل، والعنصرية بشتى صورها، التي هي العدو الأول للحياة الإنسانية، والتي تنتج عن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء. وبإنشاء هذه الجامعة «ومثيلاتها بإذن الله» سيتحدد مفهوم العلم والعلماء بالتعريف الصحيح للعلم والعلماء، ولن يكون هناك من يحمل اسم عالم إلا العالم الحقيقي «الأكاديمي» وحتى النابغة خارج الجامعة أو الموهوبين سيجدون الجهة التي تتبناهم بالشكل الصحيح، ولن يبقى مجال لأدعياء العلم في مجال من مجالات العلم الحقيقية، ولن يتمكنوا من لباس ثوب العلم أو الظهور بمظهر العالم وهم ليسوا أهلاً له، فليس كل من تسربل بلباس معين أو تزيا بأزياء للظهور بمظهر الزهد أو الورع، أو دارى نفسه بمختلف الأقنعة، ليس لهم مجال بعد الآن للضحك على الذقون أو خداع الناس، لمجرد اتخاذه مظهراً معيناً بلباس أو أي شكل من الأشكال، أو حفظه كميةً من النصوص من هنا وهناك، وسرده على الناس بطريقة أو بأخرى...! في هذه البيئة الصحراوية للجزيرة العربية، والخالية من الأنهار والمسطحات المائية كالبحيرات، وقلة المياه الجوفية، كان لابد من بذل الجهود العلمية لإيجاد البدائل المناسبة لاستصلاح الأراضي الصحراوية، وذلك لأهمية الأمن الغذائي، فلا يمكن الاعتماد للأبد على استيراد الغذاء، ومثلما أمكن بإذن الله تحلية مياه البحر لمد السكان بالمياه اللازمة، فلا بد من استحداث طريقة علمية أخرى لري الأراضي الزراعية، واستصلاح الأراضي البور، وذلك بتحلية مياه البحر بكميات كافية وبطريقة تسمح بالاستخدام الكافي لري تلك الأراضي. فمن أولويات هذه الجامعة استكشاف الطريقة المناسبة الفاعلة لاستخدام مياه البحر في ري الأراضي الزراعية، وكذلك الاستفادة من كميات الرمال النقية واستخدامها في إنتاج السليكون المستخدم في شرائح الحاسب الآلي، والاستخدامات الأخرى الكثيرة، وكذلك الاستفادة من ضوء الشمس «الطاقة الشمسية» لما تتمتع به المملكة من أجواء صافية طوال العام لإنتاج الكهرباء. ومجالات العلم كثيرة: علوم الفضاء... الطيران... السوائل...الكهرباء... الفيزياء... الكيمياء... الأحياء... الطب... النبات... البحار... المعادن... طبقات الأرض... الغازات... المحركات... وسائل النقل البرية والبحرية والجوية... وغيرها الكثير، كان آباؤنا الأوائل حازوا فيها قصب السبق، وقدموا للبشرية أسس كل هذه الاختراعات الحديثة، إلا أن الأبناء، وفى فترات من الركود التاريخية، ابتعدوا عن حقول العلوم تلك، وأشغلوا أنفسهم بالروايات والشعر «بشقيها الفصيح والشعبي، الذي يسمونه أحياناً النبطى..!»، لدرجة أن البعض تخيل أنه بمجرد قرضه لأحدهما أو كليهما، قد حقق كل شيء، وأصبح فوق هام السحب! لا فُض فوك سيدي خادم الحرمين الشريفين، فالعلم هو خط الدفاع الأول، أمام العدو الخارجي، أو عداء أي جاهل من الداخل...! فأحياناً يصبح الإنسان عدو نفسه قبل أن يكون عدو مجتمعه، فالنفس السيئة بسبب الجهل، هي العدو الأول للإنسان... (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها) الآية، ويستحيل تزكيتها بالجهل والتخلف والحماقة، إنما التزكية تكون بالعلم، وليس أي علم، بل العلم الأكاديمي الصحيح، والعلم بحر (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله مدداً) الآية. لقد آن الأوان لأن يخفف المهووسون بالشعر من هوسهم، ويسخروا الوقت الكافي من فضائياتهم لخدمة العلم، وساحاتهم للغرض العظيم هذا، ويتخلصوا مما علق بهم من أدران الجاهلية كالتفاخر بالأنساب...! أو الاعتقاد بأن فصيلة دمهم من أنقى فصائل البشر، أو البصمة الوراثية الخاصة بهم أرقى من بصمة أبناء آدم وحواء الآخرين على الكرة الأرضية...! هذا التصور الواهم هو الذي أدى بهم، ويؤدي، على مدى الزمان، إلى إبقائهم في آخر الصفوف في المسيرة العلمية الحضارية. كفى جهلاً، كفى حماقةً، كفى تخلفاً، ولنكن يداً واحدة، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ونمضي للأمام بنبراس العلم ونبراس رائد العلم والإصلاح سيدي خادم الحرمين الشريفين. [email protected]